Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
فلسفة تحليل نفسي

دروس تأملات مقالات

الحق و العدالة

 

في الحق و العدالة

ذ. عبد السلام أولباز

ثانوية محمد السادس ورزازات

 وجدت الدولة   لتنظيم وجود الناس  بما يحقق قضاء أمور عيشهم و سريان قيم اجتماعهم... في سلم و أمن ينأى بهم عن عنف وظلم بعضهم البعض.  فلما كان حق الأفراد في التصرف و الوجود، في البدء، يعني إشباع حاجاتهم كما تحددت في تكوينهم الطبيعي  و لما كانت قدرهم تختلف بقدر حظوظهم في القوة الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية، فإن  ذلك سيسم تدافعهم نحو البقاء بالصراع و الخديعة و الجور، فكان لزاما أن يقودهم فكرهم إلى طلب قيم تمكن من  حفظ بقائهم، الفردي و الجماعي،  بغير ما تمليه شهوتهم.  فإذا كان الفرد يبتغي حقوقه، في الحرية أولا،  فإن انتماءه إلى الجماعة يستلزم منه أن يراعي العدالة في ذلك.  الحق يعني الفرد والعدالة تعني الجماعة.  قد تريد امرأة الإجهاض, و ربما نتفق على أن ذلك حق يمكنها التصرف فيه بكامل الحرية لكن هل ذلك يحقق العدالة، مادام الإجهاض تعديا على حق حياة. فكيف يقضى حق الأنا في الحياة و يسلب حق الغير فيه؟

إذن في تلازم الحق مع العدالة ما يدل، بدءا، على اجتماع قيمتان تفترقان. فالحق يعني الشخص و العدالة تعني الجماعة؛ غير أن سيرورتهما في التاريخ  تكشف عن تلازم ضروري بينهما، إذ لا يستقيم الحديث عن الحق إلا في تحقق العدالة و لا معنى للعدالة إلا في ضمان الحقوق. و لذلك انخرط الإنسان، منذ الأزل، في تأسيس  أنظمة و أنساق للحق و العدالة طلبا للكرامة الفردية و تحقيقا للعدالة الاجتماعية و الكونية أو دفعا لكل ذلك في أحوال كثيرة، إذ غالبا ما يتم إعلاء الحق و العدالة في منطق الأخلاق و العقل و يتم القفز عليهما في صراع المصالح و القوى. إن الغاية من الدولة هي تنظيم مجال الحق داخل المجتمع بما تتمتع به من سلطة سياسية تستمدها، بحسب أنظمة البلدان،  إما من الإرادة الجماعية أو التشريع الإلهي أو القوة الطبيعية. و هي الأسس التي يقوم عليها حق الفرد و تنضبط بها العدالة الطبيعية أو الإلهية أو الوضعية. فما الذي يؤسس الحق؟ وكيف تتحقق العدالة؟ هل العدالة تعني الانصاف أم المساواة؟

أولا، في أساس الحق

إن التفكير في أساس الحق يختلف في منطلقه بحسب منظورين، الأول واقعي و الثاني عقلي. ذلك أنه يمكن أن نستلهم من الكتب الدينية السماوية الخبر عن أول إنسان هبط إلى الأرض و كيف استمد تشريع وجوده من الله عز و جل:" ... فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم" (سورة البقرة) و من تم فقد ارتبط حق الإنسان في التصرف و الوجود بما تقرره الإرادة الإلهية من أحكام و تشريعات... و بالمقابل، فقد اعتمد غالبية مفكري عصر الأنوار على فكره حالة الطبيعة، و هي محض افتراض عقلي، لتفسير تأسيس دائرة الحق في وجود الإنسان.

1- أطروحة هوبس (توماس): في كتابه "الليفيتان":

ينطلق هوبز( توماس) في تصوره لأساس الحق من تمييز "حق الطبيعة" عن "القانون الطبيعي"، فالأول- في تعريف كتاب السياسة يشير إلى " الحرية التي تكون لكل واحد في أن يستخدم قوته الخاصة ليحافظ على.... حياته" و يدل الثاني على قانون يمنع كل كائن طبيعي من أن" يفعل كل ما من شأنه أن يقضي على حياته أو يحرمه من وسيلة الحفاظ عليها..." و هذا يعني أن الحق يقوم على الحرية بينما يقوم القانون على الإلزام بالفعل أو الامتناع عنه" و بالتالي فإن الإنسان، في حالة الطبيعة"، تقوده حريته إلى استعمال كل قوته لكي يحافظ على حياته لكن هذه الحرية، نفسها، تهدد بقاءه و هو ما يفرض عليه الانتقال إلى حالة جديدة يسودها قانون يحدد دائرة حريته بما يحقق السلم و ينأى به عن الصراع و الحرب. و ذلك بأن يقبل كل فرد" عندما يقبل الآخرون أيضا، التخلي عن حق التصرف في كل شيء بما يسمح بالسلم و بالحفاظ على الذات و أن نكتفي بنفس القدر من الحرية الذي يقبل به الآخرون."

على الصعيد السياسي، يبرر هوبس نظام الملكية المطلقة التي يسيطر فيها الملك على جميع السلطات و يمارس فيها حريته بصورة مطلقة مع تكفله بضمان حق الأفراد في السلم و الأمن.

2- أطروحة روسو(جان جاك)، في كتابه " في العقد الاجتماعي".

تشكل حالة المدنية، في نظر روسو، حالة انتقال الإنسانية من حالة الطبيعة التي تسود فيها الحرية التي ليس لها من حد إلا قوة الفرد بحيث تنعدم الأخلاق و العقلانية في نظم حياة الناس و تتحول إلى فوضى وصراع و تظالم فيما بينهم. و لأن الناس، مع هذه الحرية الطبيعية، يحتاجون إلى السلم و الأمن و الاستقرار فإنهم سينقادون، بالتدريج نحو حالة المدنية التي تقوم على الحق المدني كما تحدده إرادة الناس الجماعية التي ستصاغ في ما يسميه روسو بالعقد الاجتماعي و الذي بموجبه يتم التنازل عن الحرية المطلقة في الوجود و الفعل مقابل حرية مدنية يتحدد فيها فعل الفرد و وجوده، أي حقه، بحسب ما تخوله القوانين المتفق عليها.

ثانيا، في الحق في العدالة

لما كان تجاوز الحق الطبيعي ضرورة للقطع مع أحوال الفوضى و القتل و الظلم في حياة الناس فإن الانتقال إلى الحق بالمعنى المدني سيعني نشأة مجال سياسي تنتظم داخله علاقات سلطة بين راعي و رعية، بين دولة و شعب،....تتحدد فيها واجبات و حقوق كل جهة مما سيطرح سؤال الحق في العدالة. بأي معنى تتحقق العدالة؟ هل بالمعنى الأخلاقي الذي يقوم على استعداد الفرد الفطري للإنصاف و عدم انتهاك القوانين أم بالمعنى القانوني الذي يفرض انتصاب مؤسسة قضائية تفرض احترام القانون و تضمن الانصاف و المساواة؟

1-  أطروحة اسبينوزا، في كتابه " رسالة في اللاهوت و السياسة":

يفضل اسبينوزا الحكم الديموقراطي لأنه أقرب أنظمة الحكم "إلى الطبيعة و أقلها بعدا عن الحرية" حيث يفوض الفرد حقه الطبيعي إلى الغالبية العظمى من المجتمع و هو ما يعني تساوي الأفراد في خضوعهم للقانون و في الحرية.  يترتب عن هذه المساواة أمران:

عدم انتهاك القانون بإلحاق الضرر بأحد المواطنين أو الرعايا سواء من جهة الفرد أو من جهة الحاكم "الذي يبيح له القانون أن يفعل ما يشاء، ( و لكن) لا يمكنه أن ينتهك حق الرعية"؛

العدل، و الذي يعرفه اسبينوزا ، أولا، بأنه استعداد فردي يوفى بموجبه حق الناس طبقا لما يمليه القانون المدني بحيث يتجنب الظلم و هو "أن يسلب شخص، متذرعا بالقانون، ما يستحقه شخص آخر طبقا للتفسير الصحيح للقوانين". و يعرفه، ثانيا، كواجب قضائي غايته الإنصاف بين المتخاصمين بعدم التفريق فيما بينهم والمساواة في حقوقهم و إن تغيرت مراتبهم بين غني و فقير....

إذن، الحق و العدالة متلازمان في اعتقاد اسبينوزا فلا معنى للحقوق داخل الدولة إلا في إطار العدالة و الإنصاف بين المواطنين، وهو ما يستدعي في الفرد استعداد ه لإعطاء كل ذي حق حقه و في الدولة تنصيب سلطة قضائية عادلة.

2-  رأي ألان(شارتيي إميل)

الحق هو المساواة فيما يرى ألان في كتابه: "تأملات رجل من نورما ندي"  غير أن تباين وضعيات الناس و أحوالهم و مصالحهم و مستوياتهم يهدد الالتزام بالحق ما لم تسن و تحدد قوانين يتساوى الجميع أمامها. يقول ألان: " لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة. و القوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية".

ثالثا، في العدالة بين الإنصاف و المساواة

يقوم الوجود الإنساني على التفاضل، غير أن هذا التفاضل لا يبرر امتناع تحقق العدالة على المطلق و إنما يقتضي فقط مراعاته في تصورنا لها. فإذا كان مبدأ التفاضل يلغي مبدأ المساواة المطلقة فإنه لا يلغي مبدأ الإنصاف. بهذا التمييز يرى عدد من منظري العدالة أن العدالة لا تتحقق إلا بالإنصاف.   اأي إعطاء كل ذي حق حقه لأنه يستحقه إما لجهد بذله أو لفضل له أو لحال و شرط يحكمانه. وواضح هنا أن مبدأ الإنصاف لا يلغي المساواة. فكل الناس سواء في حقوقهم الإنسانية، في الكرامة و الحرية... و لكنهم يتفاضلون في العلم و في المال و غيرهما، و يختلفون في شروط العيش و أحوال النفس مثلا. فبأي معنى تتحقق العدالة؟ هل بمعنى الإنصاف أم المساواة؟

أولا، أطروحة أرسطو:

يفضل القاضي المنصف القاضي العادل، عند أرسطو، لأن العادل يطبق القوانين، و هي عامة في نصوصها، و يساوي في ذلك  بين كل الناس بينما المنصف يكيف القوانين بحسب أحوال المتقاضين الخاصة و النوعية، و هو ما يساعد على تجديد القوانين و تغييرها بما يضمن الحكم بروحها لا بنصها، أي رفع الظلم و عدم الجور.

ثانيا، أطروحة راولس (جون)

العدالة، في رأي راولس كما بينه في كتابه " نظرية العدالة"، مبدأها الإنصاف و هو ما يفرض المساواة السياسية بين المواطنين في الحقوق و الواجبات، أولا، و اللامساواة الاقتصادية فيما يخص ملكياتهم و ثرواتهم مع مساهمة من يملك لصالح من لا يملك كي يتحقق التعايش و التعاون و يعم الرخاء. يقول راولس:" ينبغي أن يتم توزيع الامتيازات بطريقة تضمن التعاون الإرادي لكل أفراد المجتمع,.. يرتبط تحقيق الرخاء بتعاون الجميع، و بدون هذا التعاون لن يستفيد أحد من الرخاء."

خاتمة

إن الحق و العدالة أساس و جود إنساني تضمن فيه كرامة الإنسان و حرياته.

 الموسم الدراسي: 2009-2010

 

 

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article