15 Mai 2013
حول العدالة
نعتقد أن التفكير في العدالة يتقيد بثابت و بمتغير، في علاقة يكون فيها الثابت متغيرا و يكون فيها المتغير ثابتا.
فالثابت هو الإنسان، لأنه المعني بفكرة العدالة، بخلاف الموجودات الأخرى التي ديدنها عدالة تنسجم و نظامها الذي سخرت له.
و المتغير هو الزمن.
الإنسان شخص أخلاقي، يتمتع بالعدالة فطرة وخلقا. و كل فعل يقصده أو يقصد به يجب أن يتعالى باحترام الإنسان كغاية في ذاته.(إيمانويل كنط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق). هذا أمر نافل و تابت في حكم العقل، و إن لم يتجسد في الواقع و الحال.
لكن الإنسان ينتمي إلى كون. أي إلى عالم تتقاسمه الوجود فيه كائنات غيره. و ليس لفكرة العدالة أن تأخذ تحقيقها إلا في هذا الإطار. أي في علاقة الإنسان بالله، خالق الكون و الإنسان، و بالعالم، عالمه هو كذات و عالم الغير و الطبيعة و الأشياء. و لعل عالمية الإسلام هي أن يحقق فهما يراعي هذه الحقيقة التي أصبحت اليوم أكثر طلبا و ضرورة. أي أن ينفتح على العالمين، في اختلافهم، و الطبيعة، في نواميسها، فيكون المبدأ هو التراحم و ليس غيره. " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، بشيرا و نذيرا".
الزمن، بالنسبة للفرد، هو الحاضر و المستقبل، أما الماضي فزمن الذين عاشوا قبله. يستمد منهم الذاكرة و منطق الحركات و الأحداث، لا ليلغي حاضره و مستقبله، اي فاعليته، و لكن ليعلن عنهما إبداعا و اكتمالا. إن مفهوم العدالة، بهذا المنطق، ليس ثابتا. أعني من حيث كيفيات تصوره في الممارسات السياسية و غيرها، على صعيد البلدان و الدول، لا وجود لعدالة للعولمة. العدالة كونية و الأكوان متغيرة. فليس يجوز فرض تصور للعدالة يؤول إلى استبداد. و الاستبداد هو النقيض للعدالة و ليس الاختلاف و التغير و التعدد.
هذه الفكرة ترفض منطق الاستنبات الذي يكرس التبعية أو التخلف أو النفي و العنف. و تتبنى منطق الفاعلية و الابداع و قبول الاختلاف. فلا يمكن، بحال، نسخ تجربة الأسلاف، في توقيع العدالة أو تقمص تجربة المتقدمين. كل تجربة هي موضوع نقد تقبل التجاوز.