مدخل
ينتظم وجود البشر ويحتكم لقيم ومثل أخلاقية تنزع بهم إلى الفضيلة و الخير وتكبح نوازع الرذيلة والشر فيهم. لذلك يكاد يجمع الحكماء و العقلاء من الفلاسفة و غيرهم على أهمية الالتزام الأخلاقي و قيمته في بناء الإنسان و المجتمعات، بل منهم من اعتبر الإنسان ذاتا أخلاقية في المقام الأول.
يعتبر الواجب، في رأي إريك فايل، المقولة المفصلية بالنسبة للأخلاق. فغالبا ما تختزل الأخلاق في مجموعة من الواجبات و الإلزامات التي ينبغي على المرء احترامها. لكن الواجب، بخلاف الأخلاق، يتخذ ابعادا سياسية و اجتماعية و دينية قد تصطبغ بالصبغة الأخلاقية و قد تنسجم أو تتنافر مع الأخلاق المثالية الدالة على الفضيلة و الخير. فقد يعتبر الامتثال لأمر منكر واجبا دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا لكنه مناف للأخلاق لأنه منافر للخير و للفضيلة. والحال أنه قد ترسخت في تاريخ الأمم، على اختلافها، واجبات تكره الناس على الشر و الرذيلة تبرر القتل و الكذب و التعذيب و القمع والإرهاب و السلب و العنصرية و ما دونها.
إذن، اي علاقة بين الأخلاق و الواجب؟ هل كل الواجبات أخلاقية؟ لماذا يتخذ الواجب طابعا إكراهيا؟ ما مصدر الإكراه الملازم لفكرة الواجب؟ كيف يتشكل الضمير الأخلاقي؟ ماعلاقة الواجب بالمجتمع؟ و هل الواجب كوني أم اجتماعي أم فردي؟ و ماعلاقة الاخلاق بالحرية؟
المحور الأول: الواجب و الإكراه
افكار للتحليل و المناقشة
أولا، الواجب إكراه حر (إيمانويل كانط في كتابه "أسس ميتافيزيقيا الأخلاق"
- يرغم العقل الإرادة و يكرهها لتخضع لأمره الأخلاقي؛
- الأمر الأخلاقي نوعان:
- أمر شرطي يدل على الأفعال التي تتخذ كوسائل لتحقيق أهداف معينة؛ (الاجتهاد شرط النجاح)
- و أمر قطعي مطلق شمولي و كوني يدل عليه العقل وتدركه النفس بصورة بديهية و تتفق عليه الأنفس بإطلاق؛
- يقوم الأمر القطعي المطلق على قاعدة كونية تحكم سلوك الشخص و تصرفاته و التي تشتق منها ثلاثة أوامر: التصرف بما لا يتعارض مع القوانين الطبيعية، و التعامل مع الإنسانية على أساس مبدأ عقلي و أمر مطلق هو أنك و غيرك و كل الناس ذوات لعقل أخلاقي تتمتع بكرامة تستوجب الاحترام لأن الشخص يوجد كغاية في ذاته و ليس كوسيلة، و التعامل مع الذات كذات حرة الإرادة و الفعل.
ثانيا، الواجب متعلق بالقدرة، ليس إلزاما أو إكراها (جون ماري غايو في كتابه" الأخلاق بلا إلزام و لاجزاء").
- ينتقد جون ماري غويو التصور الميتافيزيقي للأخلاق الذي يقوم على فكرة وجود خير في ذاته منفصل عن اللذة و القدرة الإنسانية؛
- يقترن الواجب بالعمل الذي تبعث عليه شدة الحياة؛
- تقوم الأخلاق الفردية على الوقائع أي أنها ترتبط بغايات الناس و طموحاتهم و نزوعهم الفطري نحو الحياة؛
- يقول جون ماري غويو "إن العمل هو الحياة، و زيادة العمل زيادة في وقدة الحياة الداخلية، و أسوأ الشرور… الكسل والسكون" أي أن المثل الأعلى هو النشاط في مظاهره المتنوعة بما فيها الفكر؛
- إذن، فما يلزم الإنسان بالفعل و الاندفاع الحي هو قدرته على الفعل و ليس خوفه أو طمعه. فالبذرة لن تكف عن الاستنبات مادامت قادرة عليه.
المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
مفهوم الوعي الأخلاقي: كيان معياري يوجه النفوس فطريا للحكم على الأفعال والفصل فيها بين كونها خيرا أو شرا.
تساؤل: ما هو مصدر الوعي الأخلاقي؟ هل هو فطري أم مكتسب؟ هل هو دليل على السعادة أم على الشقاء؟
أفكار للتحليل و المناقشة
أولا، الوعي الأخلاقي فطري ويؤدي إلى السعادة (جون جاك روسو في كتاب "إيميل")
- يمجد رسو الوعي الأخلاقي و يعتبره غريزة إلهية خالدة و نداء السماء الذي يوجه الإنسان- و هو الكائن الناقص و الجاهل رغم كونه ذكيا و حرا- و يقوده إلى معرفة الخير و تمييزه عن الشر؛
- الوعي الأخلاقي هو المعيار الذي يميز البشر عن البهائم؛
- الوعي الأخلاقي فطري في الإنسان، فهو منحة ربانية لا يرتبط لا بعلم أو معرفة أو دراسة؛
- يجب علينا التعرف على الوعي الأخلاقي في أنفسنا و اتباعه؛
- يتعلق إدراكنا للوعي إلى السلم و الانعزال لأن الضجيج و الفوضى يرعبانه؛
- الوعي الأخلاقي طريق الإنسان إلى السعادة.
ثانيا، الوعي الأخلاقي مكتسب ويؤدي إلى الشقاء (فردريك نيتشه في كتاب "جينالوجيا الأخلاق")
- يعتبر نيتشه بأن جميع القيم الأخلاقية لها أصول تاريخية و اجتماعية؛
- لا تطلب القيم الأخلاقية لذاتها و إنما تطلب خوفا من خطر أو عقاب الأقوياء أو طمعا في منفعة يوفرونها ( ليس الخير خيرا في ذاته، و الشر ليس شرا في ذاته)؛
- يرفض نيتشه المعايير المتداولة لتحديد الشر و تحديد الخير؛
- تصدر كل القيم الأخلاقية عن الحياة، أي من الدوافع البيولوجية و النفسية و السياقات الاجتماعية و التاريخية؛
- لذلك فإن كل القيم الأخلاقية تحتكم إلى العلاقة دائن و مدين، مقرض و مقترض. فالإنسان يفعل الخير أو يتجنب الشر وفاء لدين اجتماعي أو تاريخي؛
- يحدد نيتشه ثلاثة مصادر للأخلاق: المصدر البيولوجي لأن الضعيف من مصلحته مناصرة أخلاق السلم و العفو و الصفح ليحافظ على بقائه، بينما ينافح القوي عن قيم النبل و الشجاعة و القوة؛ و المصدر النفسي لأن هذا الضعيف عندما يستشعر الظلم يبدأ في الغيرة و الحسد إلى درجة التنديد بحرية و ذاتية القوي؛ و أخيرا المصدر الجمعي الذي يستسلم فيه الضعيف للقيم الجمعية و يتبعها تبعية الخروف للقطيع؛
- إذن الوعي الأخلاقي ليس غريزة إلهية أو فطرية و إنما هو غريزة اجتماعية.
المحور الثالث: الواجب و المجتمع
ماهي حدود الواجب؟ هل الواجب امتثال للواجب المجتمعي أم الكوني؟ هل يقوم على الإلزام أم الاقتناع أو المسؤلية؟
أفكار للتحليل و المناقشة
أولا، الواجب بين أخلاق الاقتناع و أخلاق المسؤولية (ماكس فيبر، في كتاب "رجل العلم و رجل السياسة")
- يخضع الفعل الأخلاقي لمبدأي الاقتناع أو المسؤولية؛
- يقوم التعارض بين المبدأين في أن أخلاق الاقتناع تبنى على فعل الواجب دون تحمل مسؤولية نتائجه في حين تبنى أخلاق المسؤولية على تحمل مسؤولية النتائج؛
- إن الواجب الأخلاقي التزام ذاتي أو عقيدة يناضل الأمر لأجل مناصرة القيم الإنسانية مثل العدالة الاجتماعية و الحق في الحرية و غيرها؛
ثالثا، الواجب والأفق الكوني (جون راولس في كتاب "نظرية العدالة")
- يجب توزيع الخيرات و الثروات وفق مبدأي التضامن وإنصاف جميع الأجيال للحد من ظاهرة الاحتكار و الاستنزاف من طرف جيل و ظلم الأجيال المستقبلية؛
- و هذا يعني تحمل مسؤولية الالتزام بالإنصاف بناءا على تأمين الحق في التوزيع العادل للثروات على المدى الطويل.
خلاصات: صغ أهم خلاصات الدرس.