Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
فلسفة تحليل نفسي

دروس تأملات مقالات

الحق والعدالة

مقدمة

وجدت الدولة لتنظيم وجود الناس بما يحقق قضاء أمور عيشهم و سريان قيم اجتماعهم... في سلم و أمن ينأى بهم عن عنف وظلم بعضهم البعض. و لما كان حق الأفراد في التصرف و الوجود، في البدء، يعني إشباع حاجاتهم كما تحددت في تكوينهم الطبيعي و لما كانت قدراتهم تختلف بقدر حظوظهم في القوة الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية، فإن ذلك سيسم تدافعهم نحو البقاء بالصراع و الخديعة و الجور، فكان لزاما أن يقودهم فكرهم إلى طلب قيم تمكن من حفظ بقائهم، الفردي و الجماعي،بغير ما تمليه شهوتهم. فإذا كان الفرد يبتغي حقوقه، في الحرية أولا، فإن انتماءه إلى الجماعة يستلزم منه أن يراعي العدالة في ذلك.الحق يعني الفرد والعدالة تعني الجماعة. فقد تريد امرأة الإجهاض, و ربما نتفق على أن ذلك حق يمكنها التصرف فيه بكامل الحرية لكن هل ذلك يحقق العدالة، مادام الإجهاض تعديا على حق حياة. فكيف يقضى حق الأنا في الحياة و يسلب حق الغير فيه؟

إذن في تلازم الحق مع العدالة ما يدل، بدءا، على اجتماع قيمتين تفترقان. فالحق يعني الشخص و العدالة تعني الجماعة؛ غير أن تداولهما في التاريخ يكشف عن تلازم ضروري بينهما، إذ لا يستقيم الحديث عن الحق إلا في تحقق العدالة ولا معنى للعدالة إلا في ضمان الحقوق. و لذلك انخرط الإنسان، منذ الأزل، في تأسيس أنظمة و أنساق للحق و العدالة طلبا للكرامة الفردية و تحقيقا للعدالة الاجتماعية و الكونية أو دفعا لكل ذلك في أحوال كثيرة، إذ غالبا ما يتم إعلاء الحق و العدالة في منطق الأخلاق و العقل و يتم القفز عليهما في صراع المصالح و القوى. إن الغاية من الدولة هي تنظيم مجال الحق داخل المجتمع بما تتمتع به من سلطة سياسية تستمدها، بحسب أنظمة البلدان، إما من الإرادة الجماعية أوالتشريع الإلهي أو القوة الطبيعية. و هي الأسس التي يقوم عليها حق الفرد و تنضبط بها العدالة الطبيعية أو الإلهية أو الوضعية. فما الذي يؤسس الحق؟ وكيف تتحقق العدالة؟ هل العدالة تعني الانصاف أم المساواة؟

المحور الأول: الحق الطبيعي و الحق الوضعي

مفهوم الحق الطبيعي: الحق الطبيعي، حسب الفيلسوف توماس هوبس، هو الحرية المطلقة التي للكائن في أن يتصرف في حدود قدرته الطبيعية لأجل الحفاظ على بقائه.

مفهوم الحق الوضعي: مختلف القواعد القانونية أو العرفية التي تواضع عليها الأفراد و تعاقدوا لأجل تدبير العلاقات وتحقيق الغايات المشتركة و الخاصة.

تقابل مفصلي:

يعبر الحق الطبيعي عن حق القوة الذي يمنح للفرد حرية الفعل و الوجود بمقتضى طبيعته الخاصة بينما يعبر الحق الوضعي عن قوة الحق التي تحدد مجال وجود وفعل الفرد و حريته بمقتضى القوانين العامة المتفق أو المتعارف عليها.

 

تساؤل:

ماهو أساس الحق؟ هل هو حق القوة الطبيعي أم قوة الحق الوضعي؟ كيف تتحقق العدالة؟ هل بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟

أفكار للتحليل و المناقشة

توماس هوبس (في كتاب الليفيتان)

  • الحق الطبيعي هو الحرية التي تتيح للفرد استعمال قوته الخاصة ومختلف الوسائل التي تضمن له البقاء وتحقيق رغباته…
  • الحرية، في دلالتها المباشرة، هي غياب الموانع الخارجية التي تحرم الفرد من حقه الطبيعي؛
  • غير أن القانون الطبيعي يحرم الفرد من ممارسة حريته الطبيعية إن كانت سببا في تدميرها أو حرمانه من المحافظة عليها؛
  • يميز هوبس بين الحق الطبيعي لأنه يقوم على "حرية القيام بالفعل أو الامتناع عنه" و القانون الطبيعي الذي يقوم على الإلزام بالفعل أو عدم الفعل.
  • يستنتج هوبس ما يلي: لما كانت حالة الطبيعة هي حالة حرب الكل ضد الكل، حيث يحتكم كل فرد لحقه الطبيعي في الفعل أو عدم الفعل فإن استمرارها يهدد بقاء الفرد ويؤدي إلى تدمير وجوده ووجود الجميع. لذلك،
  • يحتاج الأفراد إلى حكم يفصل في ما هو حق و ما هو عادل، يحدد الممكن و الممنوع، حكم يتعاقدون على تمتيعه بسلطة مطلقة؛
  • أي أن السلم و التعايش، و تجنب الحرب الكلية، يفرض قيام نظام سياسي يحكمه حاكم/دولة تملك السلطة المطلقة.

جون جاك روسو في كتاب "في التعاقد الاجتماعي"

  • يحدد جون جاك روسو مكسبين مهمين من حالة التمدن مقارنة بحالة الطبيعة، وهما:
  • انتهاء الأنانية؛
  • وسيادة القانون؛

يقدم جون جاك روسو الاستدلال التالي:

  • كل ما هو جيد و موافق للنظام أمر طبيعي في الأشياء؛
  • ذلك أن الله هو المصدر الوحيد للعدالة و إن أحسن الإنسان استقبالها استغنى عن الدولة و القوانين.
  • توجد عدالة كونية مصدرها العقل يتعين قبولها من طرف الجميع؛
  • لذلك يتعين التعاقد على اتفاقات و سن قوانين توحد الحقوق و الواجبات و بهدف إقرار العدالة؛
  • يتسم موضوع القوانين بالعموم لأنه ينظر إلى "الأفراد ككل و إلى الأفعال في صورتها المجردة و لا يتعامل مع فرد بعينة و لا مع فعل خاص" إن على صعيد منح الامتيازات أوتصنيف الطبقات الاجتماعية أو طبيعة النظام السياسي؛
  • لذلك فإن القانون شمولي و كوني الإرادة و الموضوع. (لا يتعلق بالقرارات الفردية أو القضائية).

المحور الثاني: العدالة كأساس للحق

تساؤل:

ماهي العدالة و ما هو اساسها؟ هل العدالة فضيلة الأخلاقية أم قيمة قانونية؟

أفكار للتحليل و المناقشة:

العدالة فضيلة كاملة (أرسطو في كتاب "الأخلاق إلى نيكوماخوس")

  • الظلم هو أن يتصرف الفرد متعديا حدود القانون و أن يطمع في حق غيره؛ أو هو" السلوك اللاقانوني المنافي للمساواة"
  • أما العدل فهو فهو التصرف وفق القوانين ومراعاة المساواة؛
  • غاية القوانين تشريع الأفعال واستصدار الأحكام لحماية المصلحة العامة أو مصلحة أولياء الأمور؛
  • الفضيلة (طلب الخير و دفع الشر) هي المبدأ الذي تقوم عليه القوانين: "إن الفعل العادل هو الفعل القادر كليا أو جزئيا على حماية سعادة الجماعة السياسية"
  • إذن، فالعدالة هي فضيلة كاملة لأن "كل الفضائل توجد في ديوان العدل".

العدالة أساس الحق (فردريك فون هايك) في كتاب "الحق،  التشريع و الحرية"

  • يجب أن نميز بين التصرفات العفوية و التصرفات العمدية التي تترتب عن إرادة المرء و اختياره؛
  • لا تقع الأفعال العفوية تحت حكم العدل أو الظلم لأنها غير صادرة عن إرادة أو اختيار؛
  • لا معنى للعدالة الاجتماعية أو العدالة التوزيعية "في سياق سلوك عفوي غير متعمد"؛
  • تكتسب العدالة معناها ودلالاتها، حصرا، في إطار القانون و التشريع الذي يحدد قواعد السلوك العادل و يميزه عن السلوك الظالم أو الجائر؛
  • لذلك فالعدالة تؤسس الحق الذي يلزم جميع المواطنين و يفرض عليهم بالتساوي.
  • تتحقق الحرية في المجتمع كلما ألزم الأفراد باحترام وتطبيق القوانين الملزمة للجميع باسم العدالة.

 أطروحة اسبينوزا، في كتابه " رسالة في اللاهوت و السياسة":

يفضل اسبينوزا الحكم الديموقراطي لأنه أقرب أنظمة الحكم "إلى الطبيعة و أقلها بعدا عن الحرية" حيث يفوض الفرد حقه الطبيعي إلى الغالبية العظمى من المجتمع و هو ما يعني تساوي الأفراد في خضوعهم للقانون و في الحرية.يترتب عن هذه المساواة أمران:

- عدم انتهاك القانون بإلحاق الضرر بأحد المواطنين أو الرعايا سواء من جهة الفرد أو من جهة الحاكم "الذي يبيح له القانون أن يفعل ما يشاء، (لكن) لا يمكنه أن ينتهك حقوق الرعية"؛

- العدل، و الذي يعرفه اسبينوزا ، أولا، بأنه استعداد فردي يوفى بموجبه حق الناس طبقا لما يمليه القانون المدني بحيث يتجنب الظلم و هو "أن يسلب شخص، متذرعا بالقانون، ما يستحقه شخص آخر طبقا للتفسير الصحيح للقوانين". و يعرفه، ثانيا، كواجب قضائي غايته الإنصاف بين المتخاصمين بعدم التفريق فيما بينهم والمساواة في حقوقهم و إن تغيرت مراتبهم بين غني و فقير....

إذن، الحق و العدالة متلازمان في اعتقاد اسبينوزا فلا معنى للحقوق داخل الدولة إلا في إطار العدالة و الإنصاف بين المواطنين، وهو ما يستدعي في الفرد استعداد ه لإعطاء كل ذي حق حقه و في الدولة تنصيب سلطة قضائية عادلة.

المحور الثالث: العدالة بين الإنصاف و المساواة

مقدمة

يقوم الوجود الإنساني على التفاضل، غير أن هذا التفاضل لا يبرر امتناع تحقق العدالة على المطلق و إنما يقتضي فقط مراعاته في تصورنا لها. فإذا كان مبدأ التفاضل يلغي مبدأ المساواة المطلقة فإنه لا يلغي مبدأ الإنصاف. بهذا التمييز يرى عدد من منظري العدالة أن العدالة لا تتحقق إلا بالإنصاف، أي إعطاء كل ذي حق حقه لأنه يستحقه إما لجهد بذله أو لفضل له أو لحال و شرط يحكمانه. وواضح هنا أن مبدأ الإنصاف لا يلغي المساواة. فكل الناس سواء في حقوقهم الإنسانية، في الكرامة و الحرية... و لكنهم يتفاضلون في العلم و في المال و غيرهما، و يختلفون في شروط العيش و أحوال النفس مثلا. فبأي معنى تتحقق العدالة؟ هل بمعنى الإنصاف أم المساواة؟

مفهوم الإنصاف Équité: يقوم الإنصاف على مبدأ الاستحقاق و يراعي تفاضل الناس فيما بينهم في الجهد و القدرات الطبيعية و الأحوال و تمايز الأزمنة و الأمكنة، أي أن الإنصاف هو توزيع الحقوق و الأحكام وفقا لمبدأي المفاضلة و الاستحقاق.

مفهوم المساواة Égalité: هي توزيع الحقوق و الواجبات و إصدار الأحكام القانونية وفقا لتكافؤ رياضي دون مراعاة لمبدأي الأحقية والاستحقاق.

 

تساؤل: بأي معنى تتحقق العدالة؟ هل هي إنصاف أم مساواة؟

افكار للتحليل و المناقشة

أولا، العدالة انسجام وتناسب بين القوى المتعارضة (أفلاطون في "محاورة الجمهورية")

  • العدالة واجب سياسي على عاتق الدولة و الأفراد؛
  • يلتزم الأفراد بأداء وظيفة واحدة في المجتمع و التي تتوافق مع موهبته الطبيعية؛
  • العدل هو "انصراف المرء إلى شؤونه دون أن يتدخل في شؤون غيره"
  • يتحقق كمال المدينة بالتزام الأفراد بمهامهم المنوطة بهم:

استنتاج

العدالة الاجتماعية هي التزام كل فرد بدوره الميسر له بمقتضى طبيعته حسب أفلاطون

 

ثانيا، العدالة إنصاف (موقف ماكس شيلر، في كتاب "الإنسان الحاقد") و جون راولس في كتابه "نظرية العدالة"

  • ينتقد شيلر الأطروحة الحديثة التي تعتبر المساواة بين الناس مطلبا أخلاقيا؛ ذلك أن:
  • المساواة مبدأ جائر يقوم على الكراهية و الحقد؛
  • تثوي وراء دعوى المساواة الأخلاقية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية رغبة وحيدة غايتها التقليص و تسفيه و إضعاف الأفراد العظام و المعتبرين و مساواتهم بالحقراء و الفاشلين؛
  • تؤدي الأخلاقية الحديثة إلى نشر الفوضى و تخل بالإنصاف الذي يقوم على مبدأي المفاضلة و الاستحقاق.

 

ثالثا، العدالة كإنصاف (جون راولس في كتاب "نظرية العدالة"

أما العدالة، في رأي راولس كما بينه في كتابه " نظرية العدالة"، مبدأها الإنصاف و هو ما يفرض المساواة السياسية بين المواطنين في الحقوق و الواجبات، أولا، و اللامساواة الاقتصادية فيما يخص ملكياتهم و ثرواتهم مع مساهمة من يملك لصالح من لا يملك كي يتحقق التعايش و التعاون و يعم الرخاء. يقول راولس:" ينبغي أن يتم توزيع الامتيازات بطريقة تضمن التعاون الإرادي لكل أفراد المجتمع,.. يرتبط تحقيق الرخاء بتعاون الجميع، و بدون هذا التعاون لن يستفيد أحد من الرخاء."

استنتاج: العدالة تقوم على الإنصاف لا المساواة (ماكس شيلر و جون راولس)

 

 

تمرين

استنتج أهم الخلاصات

ماهو الحق؟ وماهي العدالة؟ (صغ مفهومك الخاص)

موضوعات للاختبار

هل من الضروري تجاوز الحق الطبيعي؟

"العدالة بدون قوة عاجزة و القوة بدون عدالة مستبدة"

حلل وناقش

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article