Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
فلسفة تحليل نفسي

دروس تأملات مقالات

مفهوم الحقيقة

مجزؤة المعرفة

مفهوم الحقيقة

عبد السلام  أولباز،

ثانوية محمد السادس، م.إ.ت ورززات

محاور الدرس

مقدمة

مفهوم الحقيقة

المحور الأول: الحقيقة بين بصيرة القلب واستدلال العقل

المحور الثاني: معايير الحقيقة

المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة

مقدمة

ونحن نفكر في مفهوم الحقيقة تمثل أمامنا المفارقة التالية: الحقيقة رهان أي خطاب غير أن الخطابات حول الحقيقة تتعدد وتختلف.

تؤسس هذه المفارقة لاحتمالين:

1- أن الحقيقة واحدة تتنافس الخطابات للتمكن منها كغاية تؤثر على ما دونها؛

2- أن لكل خطاب حقيقته. (تختلف الحقيقة في الخطاب الفلسفي عنها في الخطاب العلمي وفي الخطاب الفلسفي مثلا.)

نجد التأسيس لمنطق الحقيقة الوحيدة في تاريخ الفلسفة اليونانية مع أفلاطون وأرسطو. يعتبر أفلاطون أن الحقيقة مفارقة للواقع المادي الذي يتمثل كمعارف حسية، متغيرة وضنية. الحقيقة، في فلسفة أفلاطون، توجد في عالم المثل حيث ماهية الأشياء وحقيقتها الأولى التي تشكل موضوعات العالم المادي نسخا مشوهة لها. تدرك الحقيقة عند أفلاطون بالتأمل الفلسفي.

يعتبر أرسطو أن الحقيقة ليست مفارقة للواقع تتعالى عنه وتتجاوزه بل تحايثه، إذ فيما وراء الموجودات والأحداث المتغيرة والمتحولة توجد الحقيقة الثابتة والمستقرة التي نستدل عليها بواسطة العقل؛

يعبر المنطق الأرسطي عن فكرة المحايثة. فمبدـأ الهوية يرجع التغير إلى الثبات ومبدأ عدم التناقض ينفي التناقض عن الفكرة الموافقة لموضوعها، (ألا يؤدي هذا إلى التعارض بين الفكر والحياة؟ ألا يخفي إرادة قوة ترفض التغيير وتحتقر التناقض لأنه يتعارض مع سلطتها ومصالحها...؟)

تؤسس الفلسفة المعاصرة، انطلاقا من الفيلسوف الألماني فردريك نتشه، لمنطق الحقائق المتعددة التي تتبنى فكرة التغير والتناقض. ليست الحقيقة تعاليا عن الحياة بل تمثلا لها في تناقضها وتغيرها وقبولا بالاختلاف والحق فيه. ليست الحقيقة هي مطابقة الفكر للواقع بل هي مطابقة الفكر للإنسان كما يقول إريك فايل.

مفهوم الحقيقة قضايا وتساؤلات

مفهوم الحقيقة في الفلسفة

1- الحقيقة هي المعرفة، الفكرة، الحكم المطابق للواقع أو الفكر؛

2- الحقيقة هي المعرفة الواضحة و البديهية؛ (ديكارت)

3- الحقيقة هي كل معرفة تصمد أمام تجربة الشك؛ (ديكارت)

4- الحقيقة هي كل معرفة تقبل الاستدلال العقلي أو التحقق التجريبي؛

5- الحقيقة هي العلم بالشيء على ما هو به. (الغزالي)

قضايا و تساؤلات:

الحقيقة بين بصيرة القلب واستدلال العقل

كيف ندرك الحقيقة؟ هل هي انكشاف يحصل في القلب بدون استدلال أو برهان أم أن القلب يفضي إلى آراء ظنية تعبر عن مصالح وحاجات لا إلى الحقيقة التي تدرك بالعقل وعملياته في الاستدلال والبرهان؟

معايير الحقيقة

كيف نميز الحقيقة عن أضدادها؟ هل الحقيقة ضد الخطأ أم أن الخطأ أساس الحقيقة؟ أليست الحقائق مجرد أوهام ترسخت بفعل اللغة والسلطة... كحقائق؟ هل الخطأ هو مشكلة الحقيقة أم العنف؟

قيمة الحقيقة

لماذا يطلب الإنسان الحقيقة؟ هل لقيمتها الأخلاقية أم لقيمتها العملية؟ أي علاقة بين الحقيقة والسلطة؟ من أين تستمد الحقيقة سلطتها؟ هل من سلطتها الذاتية أم من السلطة في الخارج، سلطة السياسة والاقتصاد والمجتمع والدين؟

مجزؤة المعرفة

مفهوم الحقيقة

عبد السلام  أولباز،

ثانوية محمد السادس، م.إ.ت ورززات

محاور الدرس

مقدمة

مفهوم الحقيقة

المحور الأول: الحقيقة بين بصيرة القلب واستدلال العقل

المحور الثاني: معايير الحقيقة

المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة

مقدمة

ونحن نفكر في مفهوم الحقيقة تمثل أمامنا المفارقة التالية: الحقيقة رهان أي خطاب غير أن الخطابات حول الحقيقة تتعدد وتختلف.

تؤسس هذه المفارقة لاحتمالين:

1- أن الحقيقة واحدة تتنافس الخطابات للتمكن منها كغاية تؤثر على ما دونها؛

2- أن لكل خطاب حقيقته. (تختلف الحقيقة في الخطاب الفلسفي عنها في الخطاب العلمي وفي الخطاب الفلسفي مثلا.)

نجد التأسيس لمنطق الحقيقة الوحيدة في تاريخ الفلسفة اليونانية مع أفلاطون وأرسطو. يعتبر أفلاطون أن الحقيقة مفارقة للواقع المادي الذي يتمثل كمعارف حسية، متغيرة وضنية. الحقيقة، في فلسفة أفلاطون، توجد في عالم المثل حيث ماهية الأشياء وحقيقتها الأولى التي تشكل موضوعات العالم المادي نسخا مشوهة لها. تدرك الحقيقة عند أفلاطون بالتأمل الفلسفي.

يعتبر أرسطو أن الحقيقة ليست مفارقة للواقع تتعالى عنه وتتجاوزه بل تحايثه، إذ فيما وراء الموجودات والأحداث المتغيرة والمتحولة توجد الحقيقة الثابتة والمستقرة التي نستدل عليها بواسطة العقل؛

يعبر المنطق الأرسطي عن فكرة المحايثة. فمبدـأ الهوية يرجع التغير إلى الثبات ومبدأ عدم التناقض ينفي التناقض عن الفكرة الموافقة لموضوعها، (ألا يؤدي هذا إلى التعارض بين الفكر والحياة؟ ألا يخفي إرادة قوة ترفض التغيير وتحتقر التناقض لأنه يتعارض مع سلطتها ومصالحها...؟)

تؤسس الفلسفة المعاصرة، انطلاقا من الفيلسوف الألماني فردريك نتشه، لمنطق الحقائق المتعددة التي تتبنى فكرة التغير والتناقض. ليست الحقيقة تعاليا عن الحياة بل تمثلا لها في تناقضها وتغيرها وقبولا بالاختلاف والحق فيه. ليست الحقيقة هي مطابقة الفكر للواقع بل هي مطابقة الفكر للإنسان كما يقول إريك فايل.

مفهوم الحقيقة قضايا وتساؤلات

مفهوم الحقيقة في الفلسفة

1- الحقيقة هي المعرفة، الفكرة، الحكم المطابق للواقع أو الفكر؛

2- الحقيقة هي المعرفة الواضحة و البديهية؛ (ديكارت)

3- الحقيقة هي كل معرفة تصمد أمام تجربة الشك؛ (ديكارت)

4- الحقيقة هي كل معرفة تقبل الاستدلال العقلي أو التحقق التجريبي؛

5- الحقيقة هي العلم بالشيء على ما هو به. (الغزالي)

قضايا و تساؤلات:

الحقيقة بين بصيرة القلب واستدلال العقل

كيف ندرك الحقيقة؟ هل هي انكشاف يحصل في القلب بدون استدلال أو برهان أم أن القلب يفضي إلى آراء ظنية تعبر عن مصالح وحاجات لا إلى الحقيقة التي تدرك بالعقل وعملياته في الاستدلال والبرهان؟

معايير الحقيقة

كيف نميز الحقيقة عن أضدادها؟ هل الحقيقة ضد الخطأ أم أن الخطأ أساس الحقيقة؟ أليست الحقائق مجرد أوهام ترسخت بفعل اللغة والسلطة... كحقائق؟ هل الخطأ هو مشكلة الحقيقة أم العنف؟

قيمة الحقيقة

لماذا يطلب الإنسان الحقيقة؟ هل لقيمتها الأخلاقية أم لقيمتها العملية؟ أي علاقة بين الحقيقة والسلطة؟ من أين تستمد الحقيقة سلطتها؟ هل من سلطتها الذاتية أم من السلطة في الخارج، سلطة السياسة والاقتصاد والمجتمع والدين؟

المحور الأول: الحقيقة بين شعور القلب واستدلال العقل

يمكن التفكير في قضايا مفهوم الحقيقة من خلال هذه الوضعية المشكلة:

الحقيقة في الخطاب الديني (الخطاب الديني في الإسلام نموذجا)

يعتبر الوحي الإلهي المرجع الأساس لخطاب الحقيقة في الإسلام وغيره من الديانات السماوية. الوحي خبر من الله ينتقل إلى الناس بواسطة الأنبياء والرسل،

يخاطب الله عز وجل الناس، في القرآن الكريم، ليعرف بحقيقته كخالق للكون يتمتع بصفات الكمال المطلقة؛ ويدعو الناس للتصديق والإيمان بحقيقته. فهل طريق الإيمان بالحقيقة الدينية هو بصيرة القلب أم استدلال العقل؟

1- الحقيقة رؤيا بالقلب تمتنع عن الاستدلال العقلي

  موقف أبي حامد الغزالي في كتاب "المنقذ من الضلال"

يحضر الفكر الإسلامي بقوة في الفكر العالمي، خاصة في المرحلة التي سادت فيها الحضارة الإسلامية العالم وكانت فيه اللغة العربية لغة الفكر والعلم والأدب. المجتمع الإسلامي مجتمع معرفة لأنه مجتمع «كتاب» هو القرآن الك ريم1

يعتبر الغزالي أن العقل يمتنع عليه إدراك الحقيقة الدينية لأنها خارج نطاق قدرته. وبالمقابل فالقلب قادر على ذلك. يرد مفهوم القلب

عند الغزالي باستعمالات متعددة مرادفة لمعاني الذوق والحدس والبصيرة. القلب وهو بمثابة وسط مملكة الإنسان ومحل العلم، وله بابان، أحدهما موجه نحو الحواس والثاني موجه إلى الملكوت، أي باب الإلهام، وهو طريق العلم أي ««معرفة الشيء على ما هو به» من جهة، و «وصول الحقيقة إلى القلب» من جهة أخرى.

يتوافق موقف الغزالي مع موقف المفكر الفرنسي بليز بسكال في كتابه «أفكار"

يقول بسكال: هناك وسيلتان للإقناع بحقائق ديننا: إحداهما بقوة العقل والأخرى بسلطان المرجع المتحدث(الإنجيل)». من الحقائق التي تؤكدها الديانات وجود الله، فهل يمكن الاستدلال على ذلك بقوة العقل؟

إن إثبات وجود الله بالبرهنة الدقيقة مستحيل استحالة عدم إثبات وجوده. ما العمل إذن؟

يعتقد بسكال أنه. في وسعنا أن نثبت للملحد الذي ينكر وجود الله سفهه موقفه. يعتمد بسكال، مثل الغزالي، على منطق الرهان ليبين ضرورة الإيمان لإدراك الفضيلة في الحياة والرهان على السعادة في الآخرة.

الرهان

بما أن العقل يعجز أن يعرف الحق تصبح المنفعة مفتاحا لتبني معتقد من المعتقدات.

إما أن نراهن من أجل الدين وما يدعو إليه من أخلاق وفضيلة وحكمة وإما أن نراهن ضد هذه الأشياء. فبم نخاطر في تلك الحالتين؟

الحالة الأولى: عندما نراهن على عدم الإيمان نربح حياة المتعة المنتهية التي سرعان ما تفسد بالاكتفاء أو المرض. ونغامر، بالمقابل، بحياة النعيم الخالد التي يعد بها الدين.

الحالة الثانية: عندما نراهن على الإيمان نربح حياة حسنة شريفة، مترعة بملذات الفضيلة وقد ننعم بسعادة سرمدية؛

يستخلص باسكال أن الرهان على الدين تصرف حكيم والرهان ضد الدين عملية جنونية.

نقد الرهان

ماهي القيمة الفعلية للرهان؟

ينطلق الرهان من إمية شرطية: «إما أن الدين حقيقة، وإما أنه ليس بحقيقة»، «إن كان حقيقة ف....» و «إن لم يكن حقيقة ف.....»،

يعتمد البرهان في الرهان على نظرية الاحتمال التي نجدها في الرياضيات، بحيث يقع الترجيح بين الاحتمالين: «الإيمان يؤدي إلى الفضيلة» و «الكفر يقود إلى الرذيلة».

يقول الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي: «إن البرهنة بالرعب على وجود الله وصحة الدين لا تنتج إلا إيمانا بالتخويف والرعب»،1

تعطي المراهنة صورة عن الله كقوة غاشمة تحركها نزوعات سلطوية بلا رأفة ولا شفقة. فهل هذه هي الصورة التي تقدمها الديانات الإبراهيمية عن الله؟

يقول الحبابي: «إن كل ما يتصل بالاحتمالات يغلق السبل أمام اليقين.... الإيمان الحق إقناع داخلي... إنه اختيار كلي وعميق»2

فهل يستطيع العقل أن يؤسس هذا الاقتناع؟ و هل يعني هذا أن بناء الحقيقة على شعور القلب يختزلها في الرأي؟ ما علاقة الرأي بالحقيقة؟

أطروحة غاستون باشلار في كتاب " تكون الفكر العلمي"

يتناول غاستون باشلار تاريخ العلم والمسار الإبستيمولوجي لتكون المعرفة فيه.

يعتبر باشلار أن الحقيقة العلمية هي نتيجة عمل منهجي يقوم به العلماء لحل مشكلات علمية بخلاف الراي الذي يستند إلى أفكار شخصية ويعبر عن استجابات متغير لحاجات ومتطلبات وهو ما يعيق المعرفة. لذلك "لا يمكننا بناء أي شيء على أساس الراي. علينا نقضه فهو العائق الأول الذي يجب تجاوزه" يقول باشلار.

يمنعنا العقل العلمي من تبني آراء من قضايا لا نفهمها ولا نستطيع صياغتها بوضوح «إن كل معرفة علمية هي جواب عن سؤال بدونه لا وجود لأي معرفة علمية. كل شيء في العلم هو نتيجة بناء"

ا

 

2- الاستدلال العقلي على الحقيقة الدينية

موقف أبي الوليد بن رشد في كتاب «فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»

أولا، مشروعية النظر العقلي في الشريعة الإسلامية

أ- تعريف الفلسفة عند بن رشد

«إذا كان فعل الفلسفة ليس أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ماهي مصنوعات، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها. وإنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم» (فصل المقال)

يقوم منهج الفلسفة على الاستنباط والقياس والبرهان، أي طلب علم المجهول بما هو معلوم. تحدد مبادئ المنطق عند أرسطو كيفية الانتقال من المقدمات المعلومة إلى النتائج المجهولة اللازمة عنها ضرورة. هذه المبادئ هي الهوية وعدم التناقض والثالث المرفوع.

ب- النظر العقلي طريق للحقيقة في الإسلام

يقول بن رشد: «فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به، فذلك بين في غير ما آية من كتاب الله، تبارك وتعالى، مثل قوله تعالى: «فاعتبروا يا أولي الأبصار» (سورة الحشر، الآية 2) وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معا. ومثل قوله تعالى: «أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله  من شيء» (سورة 7 آية 184).

يعتبر بن رشد أن هذا العلم، علم النظر العقلي في الموجودات شرف خصه الله عز وجل الأنبياء مثل سيدنا إبراهيم. قال تعالى: «وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض» (س. الأنعام. آ. 75) فهل يتساوى الناس في هذا الشرف؟

ج- مراتب التصديق

يقول بن رشد: «وذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق: فمنهم من يصدق بالبرهان، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية (مقارعة الحجة بالحجة) تصديق صاحب البرهان بالبرهان(...)، ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية (مبناها خلق الأثر الوجداني في المتلقي كما في أسلوبي الترهيب والترغيب) ...» (فصل المقال، ص 42)؛

والقصد من اختلاف طرق التصديق في الشريعة الإسلامية أن يعم التصديق بها كل إنسان «إلا من جحدها عنادا بلسانه»، لذلك تمايزت طرق الدعوة إلى الشريعة بين مراتب التصديق هذه، يقول تعالى: «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمعتدين» (سورة النحل، الآية 125)

ثانيا، علاقة الحكمة / الفلسفة بالشريعة/الدين.

يستدل بن رشد على هذه العلاقة كما يلي:

الشريعة الإسلامية حق عند معشر المسلمين والنظر البرهاني لا يؤدي إلى مخالفة ما ورد به الشرع إذن، الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.

لكن ما ذا نفعل عندما يتعارض ما دل عليه الشرع مع ما وصل إليه العقل أو أدى النظر العقلي إلى معرفة لم يخبر بها الشرع؟

يجيب بن رشد: «فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه الشرع» فيكون محل استنباط مثلما يفعل الفقيه في استنباطه الأحكام، أو «عرف به الشرع» فيرفع التعارض بين العقل والشرع بالتأويل. أي «إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية على الدلالة المجازية» بشرط هو: «عدم الإخلال بعادة العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو بسببه ولاحقه أو مقارنه...» (فصل المقال، ص 42).

استنتاج أطروحة بن رشد

الحقيقة واحدة يختلف الناس في إدراكها باختلاف مراتبهم في التصديق. لا تعارض بين الحقيقة التي يدركها العقل والحقيقة المنقولة من الوحي الإلهي. أي أن العقل قادر على الاستدلال والبرهان على ما أخبر به الوحي من حقائق.

خلاصة المحور

بين انكشاف الحقيقة بالبصيرة وهي رؤيا القلب وبنائها عقليا يختلف موقف الغزالي عن موقف ابن رشد. والحال أن الخطاب الديني موجه إلى الناس كلا و لابد أن يختلف الناس كلهم في تلقيه بحسب ممكناتهم في التصديق و الفهم و الشعور. ومن الاستبداد و التطرف أن ندعو الناس إلى الاجتماع على منهج واحد في التصديق بالحقيقة و بنائها.

لمحور الثاني: معايير الحقيقة

أولا، الحقيقة معيار ذاتها

أطروحة باروخ اسبينوزا في كتاب «الأخلاق"

يستدل اسبينوزا على موقفه بأن الحقيقة معيار ذاتها من خلال الاستدلال التالي:

مقدمة 1: تعريفه للجوهر substance " الجوهر، في تصوري، هو الموجود بذاته ويدرك من خلال ذاته"؛

مقدمة 2: مفهومه عن الله". الله في تصوري، موجود مطلق وجوهر بصفات خلود تدل على حقيقته اللامتناهية؛

مقدمة 3: مفهومه ل «الفكرة الصحيحة" " الفكرة الصحيحة هي المعرفة الكاملة بالشيء أو المعرفة به على أفضل صورة" أي معرفة الأشياء في ارتباطها السببي بالأشياء الأخرى وفي علاقتها بصفات الله، وهذا هو المهم، وبالقوانين المطلقة للطبيعة التي تتبع هذه الصفات مباشرة. يعني أن المعرفة الصحيحة تعني المعرفة بالضرورة الكامنة في الطبيعة وتعبر عنها أفكار ملائمة تبرز كيف يرتبط الشيء ضرورة بصفة من صفات الله الخالدة فيه.

م 4:"من طبيعة العقل أن يدرك الأشياء في ترابطها الضروري فيما بينها.

نستنتج إذن أن:

الحقيقة ، عند اسبينوزا هي الفكرة الصحيحة التي تلائم موضوعها تلاؤما ضروريا بمقتضى تمثل العقل الذي يدرك الموضوعات في تلازمها الضروري مع قوانين الطبيعة المنسجمة مع الصفات المطلقة للوجود الإلهي إدراكا كاملا أو على أفضل صورة. أي أن معيار الحقيقة هو ملاءمة الفكر للموضوع في حدوثه الضروري وخضوعه للطبيعة وللإرادة الإلهية المطلقة. وبالتالي فالحقيقة كلما أدركت وانكشفت للفكر على هذا النحو فهي معيار ذاتها ومعيار للخطأ.

ثانيا، الحقيقة هي المعرفة الواضحة التي تصمد أمام تجربة الشك.

موقف روني ديكارت في كتاب قواعد لقيادة العقل

الحقيقة هي الفكرة الواضحة والبديهية. الحقيقة معيارها الوضوح والبداهة، يقول ديكارت.

يدرك الإنسان الحقيقة عن طريق العقل بعمليتين هما الحدس العقلي والاستنباط المنطقي.

الحدس العقلي هو التصور الخالص (الواضح والبديهي الذي لا يحتاج إلى دليل) لذهن يقظ... يصدر عن نور العقل وحده، لا عن الحواس أو المخيلة. كأن يبصر الإنسان بالحدس أنه موجود وأنه يفكر....

الاستنباط المنطقي هو الانتقال من مقدمات واضحة أو غير واضحة واستنتاج النتائج اللزمة عنها بالضرورة المنطقية، كأن نستدل على وجود الله بمقدمتين: الإنسان يتصور الوجود الكامل، الإنسان وجود ناقص، إذن الموجود الكامل(الله) هو مصدر فكرة الكمال. وبالتالي فوجود الله فكرة واضحة وبديهية.

يميز ديكارت، إذن، بين مصدرين للحقيقة. الأول هو الحدس العقلي الذي يدرك به الإنسان المبادئ البسيطة التي هي بمثابة مقدمات للأفكار والحقائق اللازمة عنها، والثاني هو استنباط النتائج.... (المنهج الرياضي).

خلاصة المحور الثاني

يتبين إذن أن معيار الحقيقة يتحدد عند اسبينوزا وديكارت من خلال منطق المطابقة بين الفكر والواقع، سواء من خلال تمثل الحقيقة كمعيار لذاتها أو من خلال معيار البداهة والوضوح. نفس المنطق عند كنط في تمييزه بين الحقيقة المادية والحقيقة الصورية حيث أن الحقيقة لا توجد في الواقع وإنما في القيمة الكونية لصور المعرفة. غير أن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر يعترض على هذا المنطق لأن الفكر والواقع لأنهما من طبيعتين مختلفتين. الحقيقة عند هايدغر هي اللحظة التي يلتقي فيها الفكر بالوجود فينكشف له بكامل الحرية.

المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة

أولا، الحقيقة كقيمة أخلاقية

يجد الإنسان نفسه في مرتبة وسطى بين مرتبة الحيوانات والبهائم ومراتب الكمال الإلهي. توجد الحقيقة، في المذاهب الأخلاقية، في قدس الكمال الإلهي ومحرابه. فيكون البحث عنها ارتقاء بالإنسان من مراتب الانفعال والاندفاع التي تحرك الفعل البهيمي، كما يقول ابن باجة، إلى مراتب الكمال حيث الحقيقة دليل على الحكمة، بهذا المعنى تطلب الحقيقة كغاية تؤثر في ذاتها لا كوسيلة تنال بها الغايات دونها. وقد اعتبرت الفلسفة محبة للحكمة، أي بحثا عن الفضيلة في العمل والحقيقة في المعرفة.

 

ثانيا، الحقيقة كقيمة عملية

النزعة البراغماتية: بيرس، جون ديوي، وليام جيمس وآخرون

البراغماتية فلسفة تؤكد على أن الحقيقي هو المفيد، والمفيد هو الحقيقي. أي أن:

- الفكرة الحقيقية هي الفكرة التي تقودنا إلى النجاح في الممارسة العلمية والعملية،

- و أن كل فكرة لا يمكن ترجمتها إلى فعل فهي بدون معنى. فالعالم في المختبر يتعامل مع الأفكار من جهة قابليتها للاختبار والتحقق العملي؛

ارتبطت البراغماتية بقضايا المجتمع الأمريكي العملية بخلاف الفلسفات الأوربية التي يغلب عليها الجانب النظري،

يشبه وليام جيمس الحقيقة بالعملة التي تبقى بقيمتها ما لم ترفض، وهذا يعني بأن الحقائق عقائد لا ترتبط بالصدق المنطقي وإنما بقبول الأفراد أو رفضهم لها،

يمكن القول بأن الحقيقة في النزعة البراغماتية تتوافق مع فكرة الحرية في المجتمعات الديموقراطية التي تضمن الحق للأفراد في تبني الأفكار والمذاهب والمواقف المتغايرة والمختلفة بمقتضى معيار وحيد هو النجاح في العمل والممارسة...

تعبر المعرفة العلمية في المجتمع المعاصر عن روح الفكرة البراغماتية، فالنظريات العلمية هي النظريات التي تساعد على النجاح في الاقتصادي والسياسي والعسكري....

نقد النزعة البراغماتية

ألا يؤدي الرهان على المنفعة كمعيار مفصلي لتحديد قيمة الحقيقة إلى نقض القيمة الأخلاقية للحقيقة؟

ألا يؤسس المجتمع المعاصر بأزماته الحالية لأزمة أخلاقية وإنسانية ترتبط بضحالة الفكر وأزمة القيم وشيوع العنف؟ (مع العلم أن فلاسفة هذه النزعة انتقدوا التحولات اللا-أخلاقية للمجتمع الأمريكي...)

ثالثا، الحقائق كتعبير عن إرادة القوة والهيمنة. موقف فردريك نتشه في كتاب" جينيالوجيا الأخلاق"

يتميز سؤال الفيلسوف الألماني فردريك  نيتشه حول الحقيقة عن السؤال التقليدي في تاريخ الفلسفة. فعوض التساؤل حول "ماهي الحقيقة؟" يطرح نتشه السؤال التالي:" من يحتاج إلى فكرة الحقيقة المطلقة والخالدة؟"

هؤلاء بالنسبة لنتشه هم فلاسفة ما وراء الطبيعة ورجال الدين لقد اختلقوا عالما ورائيا arrière-monde أفضل من هذا العالم لأنهم عجزوا عن تغييره وخلق قيم تخدم الحياة. بمعنى أن الحقيقة مجرد وهم وموقف سلبي من الحياة. الحقيقة في نظر نتشه " عدد من الاستعارات والكنايات والتشبيهات، وباختصار هي كل العلاقات البشرية التي تم إعلاءها وصقلها ثم صارت بعد استعمالات كثيرة حقائق لازمة وضرورية.

توجد داخل تاريخ الحقيقة إرادة القوةعند نتشه. هذه الإرادة التي تحرك الحياة، تبني وتهدم تتحرك بغاية واحدة هي الهيمنة. فتكون الحقيقة إذن هي مختلف القيم والأفكار... التي كرستها إرادة الأقوياء ضد الضعفاء. في رأي نتشه.

رابعا: الحقيقة والسلطة

تختزل المعرفة العلمية خطاب الحقيقة في الزمن المعاصر. فهل هو خطاب الحقيقة الوحيد؟ أليس الخطاب العلمي المعاصر خطاب سلطة أكثر منه خطاب حقيقة؟

موقف ميشيل فوكو

إن الحقيقة ليست نتيجة جهود العقول الحرة وليست ثمرة خلوات التأمل الطويلة ولا الامتياز الذي يتمتع به أولئك الذين عرفوا كيف يتحررون من الالتزامات.

يسلم فوكو بأن كل مجتمع له خطاب حقيقة خاص، قد يكون الخطاب الديني أو العلمي أو الفلسفي أو الأسطوري أو السحري ...

توجد داخل كل مجتمع آليات ومؤسسات أو أشخاص يفرضون خطاب الحقيقة الذي يخدم أهدافا لا ترتبط بالحقيقة كما تصورتها العقول المتأملة والحرة؛

ليبين فوكو هذه العلاقة بين الحقيقة والسلطة في المجتمع المعاصر، يستعير مفهوم الاقتصاد السياسي، ليتحدث الاقتصاد السياسي للحقيقة.

يتميز الاقتصاد للحقيقة في المجتمعات المعاصرة في رأي ميشيل فوكو بخمس سمات:

أولا، قصر الحقيقة في الخطاب العلمي؛ وفي المؤسسات التي ينتج داخلها؛

ثانيا، التحريض الاقتصادي والسياسي للحقيقة، حيث تستدعى المؤسسات العلمية باستمرار لتقديم خدمات اقتصادية ولممارسة السلطة السياسية...

ثالثا، الحقيقة موضوع نشر واستهلاك تربوي وإعلامي...

رابعا، هيمنة أجهزة المراقبة المهيمنة واللوبيات.... الاقتصادية والعسكرية والسياسية والإعلامية...

خامسا، الحقيقة مدار كل الصراعات السياسية والاجتماعية...

إذن،

لا تتحدد قيمة الحقيقة في تناقضها المنطقي مع الخطأ، والأخلاقي مع الكذب والجينيالوجي مع الوهم والاستعارة بل في دورها في التأثير السياسي والاقتصادي والإعلامي والاجتماعي والثقافي...

يدعو فوكو في الأخير إلى ضرورة إبعاد أشكال الهيمنة التي تشتغل داخل الخطاب العلمي عن سلطة الحقيقة.

أو ليست هذه السلطة التي تتوي داخل الحقيقة سببا رئيسيا للعنف في التاريخ؟

خامسا، الحقيقة والعنف

موقف إريك فايل في كتاب «منطق الفلسفة"

تتحدد الحقيقة، عند فايل، في «تطابق الإنسان مع الفكر» وليس في تطابق الفكر مع الواقع كما استقر في التداول؛ أي أن الفكر يجب أن يعكس وجود الإنسان، تجربته، ذاته...

ينكشف الوجود إذن، من خلال الفكر أو الخطاب المتماسك؛ لا يقبل هذا الانكشاف الرغبة في التفوق على الآخر بحيث نحكم على خطاب الآخر بالخطأ، ومن تم نبرر العنف ضده؛

انكشاف الوجود هو انكشاف فردي لشخص «قرر أن يفهم، في وضعية ملموسة.. وضعيته الخاصة»، وقرر أن يعلم الآخرين بتأويله لتلك الوضعية. «فأنا الذي أعرف أني لست حرا في هذا العالم، وأنه عالم العنف والجوع والشقاء والتنكيل والموت العنيف، لكني أنا كذلك من يريد أن يفكر في هذا العالم تبعا للمعنى الذي يمتلكه، وأريد من ثم تحقيق هذا المعنى بواسطة الخطاب والعقل والعمل المعقول». يتمتع الإنسان بحرية الخطاب، أي الكشف عن معنى العالم كما يفهمه ويعيه بشكل معقول وبدون عنف. فالعنف هو نقيض الحقيقة ومشكلة الفلسفة الأساسية وليس الخطأ.

خلاصات درس الحقيقة.

الفلسفة بحث عن الحقيقة. وكونها كذلك يعني أمرين. أن سؤال الحقيقة هو أصل التفكير الفلسفي؛ وأن الفلسفة سعي مستمر نحو أفضل الأجوبة التي تمكن الإنسان من العيش في سعادة وحرية، كما يقول لوك فيري في كتابه " أجمل قصة في تاريخ الفلسفة". يفسر هذا اختلاف المواقف بين الفلاسفة بصدد قضايا مفهوم الحقيقة، بدءا بتعريفه وانتهاء بقيمة الحقيقة مرورا بالمنهج الذي تدرك به الحقيقة ومعاييرها وغير ذلك من القضايا.

ونعتقد أن مفهوم الحقيقة يستوعب الإنسان في غنى تجاربه واختلافها فهو مرادف للحرية وللحق في الاختلاف والعيش بدون عنف.

Oulbaz abdeslam

11 MAI 2017

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article