Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
فلسفة تحليل نفسي

دروس تأملات مقالات

المثال في درس الفلسفة: دوره وقيمته

المثال في درس الفلسفة: دوره وقيمته

المثال في درس الفلسفة: دوره وقيمنه

ترجمة: عبدالسلام أولباز

أستاذ مادة الفلسفة

ثانوية محمدالسادس ورزازات

Pierre Hidalgo

Mémoire professionnel

مقدمة

إن الهدف الذي نقصده هنا هو تحديد دور المثال وقيمته في إطار تدريس الفلسفة. يبدو أن المثال يحتل مكانة أساسية، سواء تعلق الأمر بدرس الفصل أو بالتمرين الكلاسيكي للكتابة الإنشائية أو بالنصوص الكبرى في التقليد الفلسفي. ففي عملية التدريس ذاتها يصعب تجاوزه إلا إذا اعتبرنا الفلسفة مادة مجردة ومنفصلة عن أي علاقة مع الواقع. أكيد أنه غير صحيح أن ننكر الطابع المجرد لبعض صفحات الفلسفة، ولكن ليس هناك واحدة منها لا تبذل جهدا في توضيح وإبراز الفكر الذي تنتجه."1 ذلك أنه كيف يمكننا أن نعطي المعنى والدلالة إذا لم نمثل لهما ببعض الحدوس( يلزم أن تكون في نهاية المطاف مستوردة من بعض التجارب الممكنة)؟". علاوة على ذلك: ليس هناك مسار فلسفي حقيقي لا يبدأ بالدهشة أمام الأشياء الأكثر بساطة أو الأكثر ألفة، حتى ولو تعلق الأمر بأن نبين بأن الواقع معقد. فلا عذر لأي فكر إن لم يكن متجذرا في العالم.

و الأمر يتعلق بتلاميذ المرحلة النهائية، هناك إخفاقات متوقعة: فكل كلام مهم وذو قيمة تاريخية ودال متهم مسبقا. البعض فقط وليس أي أحد، يأخذونه لحسابهم الخاص. لا يمكن أن نعتبر التلاميذ متلقين، مكونين منذ البداية وقادرين على الحركة ،كليا، في مستوى المفاهيم. وقد أدينت هذه المبالغة فيInstruction du 2septembre1925relativesà l’enseignement de la philosophie dans les lycées : (توجيهات 2سبتمبر 1925المتعلقة بتدريس الفلسفة في الثانويات):" إن على الأستاذ،إذن، هم مستمر في أن يتجاوز كل مدرسيةscolastique، كل نقاش حول قضايا ذات المعنى الملموس، والعلاقات مع الواقع والتجربة لن يتم إبرازها." القصد هنا هو مصلحة التلميذ وأيضا مصلحة الأستاذ، الذي سيواجه إحباطات جدية إذا استمر في الإلحاح على هذه الطريق.

يفضل رهان البساطة، كرهان جريء، بشكل كبير على ردود الفعل الجامعية، المنقولة هنا. ففي هذا السياق سيأخذ المثال أهمية كبيرة، بالنظر إلى أن الإيضاح المادي يتحدث بقوة مع خيالنا ويمكن من إنارة الفكر فيما يتعلق بالمسار النظري القبلي. نؤكد بأن الأمر لا يتعلق بمبادلة المثال بالقاعدة، أو السعي إلى البرهان بالرجوع إليه فحسب، و هو خطأ شائع في عدد من إنشاءات التلاميذ بل على العكس؛ إذ للمثال، بكل بساطة، وظيفة تدعيم البرهان وإنهاءه بصيغة ما. هل يمكننا أن نأمل في إفهام التلاميذ، بكل معقولية، طبيعة المسار التجريبي، دون أن نحيل على تجربة ممثلة لوجهة النظر هذه. كتلك الخاصة ب"أرانب" كلود برنار؟. وعليه فإننا نقترح هنا أن نحدد في البداية المثال وأن نبين صفته الفلسفية، ثم نفحص بشكل ملموس المكانة التي منحه إياها كبار الفلاسفة. لنتساءل في ما بعد حول الكيفية التي يمكن أن يوظف فيها في الدرس الفلسفي وفي الأخير سنقدم توجيهات حول المكانة التي يجب أن يحتلها في إطار ممارسة الإنشاء الفلسفي.

1.تعريف المثال ووضعيته في الفلسفة

ما هو المثال؟

المثال حالة خاصة، حدث تجريبي يمكن من إبراز فكرة أو مفهوم لهما طابع مجرد أو عام. يجب علينا، من الآن، أن نعلن، وكما أسلفنا، بأن المثال لا يمكن أن يعوض في أي حال من الأحوال الفكرة أو المفهوم و إنما يجب استدعاؤه من طرفهما. لذلك فإن أي تحليل يتطلع إلى الإثبات بواسطة المثال، و إن سير بشكل جيد منهجيا، لا يمكن أن يكون إلا خاطئا من الناحية المنطقية.فلأنني حددت خصائص الأعداد الفردية يمكنني أن أعطي مثالا عنها. ولكن عددا فرديا معينا(3.5 أو 7) لا يمثل كل الأعداد الفردية.

علي صعيد فلسفي، الفهمl’entendement هو الذي يطلب و يفرض الأمثلة،دائما، لأجل مراميه. لذلك فإن المثال له وظيفة تدعيم الفكر وإتمامه بصيغة ما. فهو يوازن الحجاج ويدعمه، ولكن دون أن يعوضه.ولو أن الأمر كذلك فإن الاستدلال سيتراوح بين الثانوي والاستثنائي.

ومع ذلك فإن وظيفة الإيضاح في المثال تبدو غير واضحة. فكما يشير chiche في مقال حديث "يعني فعل الإيضاح، كما يعلم الجميع، جعل الشيء واضحا وظاهرا، وهو المعنى الأولي لفعل أوضحlustrare." . لا يلزم إذن أن يكون التوضيح مجرد صورة بسيطة لا يضيف أي شيء جديد للنص الذي يصطحبه، كما هو حال الإيضاح بالنسبة للطفل. ذلك أن وظيفة المثال هي إنارة العقل بشكل تراجعي ويمكن، بذلك، من استيعاب المفهوم.

يتحدد الاستعمال المشروع للمثال من خلال قدرته على دعم القاعدة و تأكيدها. إذ يجب أن لا يكون المثال مجرد شيء ثانوي بل أن يكون ذا قيمة تمثيلية، أي أن ينعكس المفهوم من خلاله دون أن يكون هو المثال الوحيد لوجود أمثلة عديدة ممكنة دائما لتوضيح نفس الفكرة. هذا ما ينطبق على المثال الطرازي الذي يمثل القاعدة جيدا بشرط أن لا نمسك منه إلا ما هو مشترك بين جميع الأمثلة من ذات الصنف.

إذا أخذنا، في درس ما عن العلم، كمثال لقانون علمي قانون سقوط الأجسام، سنبين، كما هو شأن أمثلة من هذا النمط، بأن هذا الأخير يقيم علاقات ثابتة بين ظاهرتين أو أكثر، وهو نفسه تعريف القانون العلمي. فلن تكون للمثال إذن أي حمولة فلسفية إلا إذا كان قابلا لأن يكون كونيا. يبدو لنا بشكل جيد هنا ما لا يجب علينا غض الطرف عنه أبدا: لا يعتد بالمثال إلا بقيمته داخل تحليل يتيح معرفة قانون أو قاعدة، يطبقها أو يؤكدها.

مع ذلك، فلو كان المثال يأخذ قيمته من القاعدة ويندرج ضمنها، يمكنه أن يتناول كذلك كمثال-مضاد، ويفند بالتالي القوانين الخاطئة والتعميمات المتعسفة والبراهين العرجاء واليقينيات التي تصدر من غير حكم. ففي المسار السقراطي، يتعلق الأمر في الغالب، ومن خلال الحوار، بالارتقاء إلى مستوى الفكر عبر تفنيد التعريفات العشوائية بواسطة أمثلة مضادة. يعلم كل واحد منا التعريف المضحك للجميل المقترح من لدن هيبياس، السفسطائي المعتاد، في المحاورة التي تحمل اسمه:" الجميل، هو امرأة جميلة". إن التسرع لا يفسر هنا كل شيء بحيث يمكن أن نشك في ذكاء هيبياس. فهناك،أولا، الخطأ المنطقي حيث أن المفهوم المراد تحديده يوجد في التعريف، ولكن بالخصوص، عوض أن نقترح تعريفا عاما، نكتفي بمثال خاص.

من هنا، لم يكن لسقراط أي مشكل في ربك هيبياس من خلال تنبيهه إلى تواجد أواني طبخ جميلة، ما سيدفعه إلى الاعتراف بنسبية أمثلة الجمال: إذا كانت المرأة الجميلة تتفوق في الجمال على إناء جميل فستكون قبيحة بالمقارنة مع إلهة. خسر السفسطائي ضربته إذن، لأنه كان عليه أن يهتم بالجمال في عموميته وليس بالجمال في خصوصيته. فمن الواضح أنه من ماهية الجمال يأخذ الجمال الخاص كل معناه." أو ليس في هذا يكون المثال شيئا آخر غير الإيضاح، بل هو في الحقيقة نموذج paradigme؟. هنا يكمن كل الاختلاف بين المثال كما يتصوره هيبياس ويستعمله(حيث يختلط الحدث بالفكرة) والمثال كما يتصوره سقراط ويستعمله( حيث يقود الحادث إلى الفكرة بالضبط ولا يوضحها)، أي بين السفسطة والفلسفة"3. يشكل النموذج، من هذه الزاوية، في الحوارات تمرينا موجها لتدريب الذهن على المنهج الذي عليه إتباعه في تحليل المفاهيم الأساسية. فبالانطلاق من موضوع بسيط، نثير بنية ستتواجد داخل موضوع أكثر صعوبة.

هذا فيما يخص الجمال الوحيد، الذي يتواجد في كل الجمالات الجزئية فيما وراء تنوعها الظاهر. سنخصص، في الجزء الموالي، دراسة أكثر دقة للنموذج عند أفلاطون. نفس المسار يوجد عند كانط، خاصة في المقال المعنون ب" ماذا يعني التوجه داخل الفكر؟". سيظهر كانط، منطلقا من المعنى البسيط للتوجه، أي التوجه في المكان، الخصائص الأساسية لمفهوم التوجه، لكي يطبقه فيما بعد على الفكر. ومع ذلك نجد حالة يطرح فيها استعمال الأمثلة مشاكل، هي حالة التمثيل التطبيقيl’exemplarité pratique.

ماهي قيمة الأمثلة في الميدان الأخلاقي؟ يجيب كانط على هذا السؤال بدون لبس:" لا يمكننا أن نقدم أسوأ خدمة للأخلاق إلا عندما نريد أن نشتقها من الأمثلة. لأن أي مثال يقترح علي يجب أن يتعرض هو نفسه إلى الحكم بحسب مبادئ الأخلاق لنعرف ما إذا كان يستحق أن بالفعل أن يستخدم كمثال أصلي، أي كنموذج، غير أنه لا يمكنه مطلقا أن يقدم، من الوهلة الأولى، مفهوم الأخلاق"4. يتضح أنه إذا لم يكن للمثال أي قيمة في المجال الأخلاقي فلأن القانون، في هذه الحالة، سيرد من الخارج داخل الذات، وهو ما يترتب عنه تساميhétéronomie الإرادة. إن تقليد نموذج ما يعني التواجد في وضعية تبعية وبالتالي منع التفكير من اكتشاف ذاته، إنه التواجد من جهة الأحكام المسبقة. إن الاستقلال يمر دائما،إذن، عبر تمثل واضح للقانون الذي يجده العقل في ذاته والذي يمنحه لنفسه. إن الحرية هي،إذن، في الخضوع لهذا القانون لأنه قانون عقلي الخاص. وعليه فإن كل سلوك تمثيلي و" حتى الإنجيل المقدس يجب أن يقارن بداية مع مثالنا عن الكمال الأخلاقي قبل أن نعترف له بالقدسية"5

يشير ،Victor Delbos إلى أنه" يتم تشخيص المبدأ الحسن، حسب الدين، وفي حدود العقل البسيط، في صورة ابن الله لحاجة الإنسان للتعبير من خلال مثال idéalعن فكرة الكمال الأخلاقي؛ بيد أن هذه الفكرة هي التي تعطي، في نهاية التحليل، القيمة الملكية للنموذج." نلفي إذن في المجال التطبيقي نفس المتطلبات التي أثرناها سابقا فيما يخص المثال عموما: فالخير لا يرتبط بما يلاحظ امبريقيا، و إنما بالفكرة. من وجهة النظر هذه، كل عملية تربوية تروم ترسيخ أمثلة خارجية تخطأ هدفها. على المربي، بالعكس، أن يجتهد في القيادة نحو الفكرة باستعمال أمثلة بسيطة، أمثلة سوف توضح، من جهتها، بالفكرة. في قسم الفلسفة، يكون الاستعمال الجيد للأمثلة هو شرط نجاح هذا التدريس، و شرطا ضروريا لكل العمل التربوي: أن نجعل عقل التلميذ يخرج من سلبيته، من" حالة القصور" « l’état de tutelle » حالته الأولى، لأجل أن يلج عالم الاستقلالية.

2.مكانة المثال في الأعمال الفلسفية الكبرى.

نقترح أن نفحص بشكل ملموس، في هذا الجزء، عبر فيلسوفين حاضران في لائحة برنامج الباكالوريا هما سارتر و أفلاطون، الكيفية التي يوظف بها كبار الفلاسفة المثال.

المثال عند سارتر

إذا كان هناك من مؤلف عرف كيف يطبع الأذهان ببعض الأمثلة الموجهة لتوضيح المفاهيم الكبرى في فلسفته فهو سارتر. من منا لا يعرف المثال الشهير عن" نادل المقهى" أو مثال" الفتاة الجميلة" اللذان وظفا لتوضيح مفهوم"الاعتقاد الزائف" « mauvaise foi »؟

يعني" الاعتقاد الزائف"، حسب سارتر، الكذب على الذات، الذي يتجلى في قلب مستويي وجودنا الواعي، أي التعالي transcendanceو التصنعfacticité. هذا يتمظهر بصيغة هذا. هكذا فكل تصرف يبرر التصنع مع السعي إلى الحفاظ على شرف التعالي هو اعتقاد زائف.

يعني سارتر بالتعالي:"حركة إعدام الوعي". أي هروب الوعي خارج الذات، و استحالة التقائه بموضوعه. فرغم أنه يرغم على الخروج من ذاته ليتجه نحو الموضوعات فإن الوعي لا يلتقي بها مطلقا، بالنظر إلى أنه سيفقد نفسه كوعي، في حالة العكس. لذلك، إذا كان الوعي يكون العالم، بشرط معرفته الجيدة بأن الموضوع المستقصد ليس هو، فإنه يتكون بذاته كما لو أنه ليس هو هذا العالم. يعلي الوعي العالم الذي يعليه بدوره. تكون النتيجة دراماتيكية جدا بالنظر إلى أن الوعي بالذات يعاش كفشل مستمر، يعبر عنه عبر استحالة لقاء أصيل مع العالم وخاصة وعي الآخرين. إن هذا هو السبب الذي يجعل الوعي يلجأ، لكي يتجنب القلق الذي يترتب عن" إعدام الوعي" هذا، إلى الاعتقاد الزائف.

غير أنه إذا كان الوعي حرية في أساسه، فإن انبثاقه يشكل حدثا بنفسه. وهذا ما يعنيه سارتر بكلمة facticité التصنع. يجب أن نفهم من هنا عددا من العناصر الموضوعية، لم يخترها الإنسان و لكنها مفروضة عليه: مكانه في العالم، عصره، بكل ما يكونه ولم يساهم في بنائه، جسمه والموت الذي لا مهرب منه، وأيضا ضرورة العلاقة مع الغير. هناك إذن سلبية للوعي إزاء تصنعه. يمكنه، علاوة على ذلك، أن يتلاعب به وهو ما يحدث في الاعتقاد الزائف: الاعتماد على التصنع لتبرير الأفعال، والبحث لها عن عذر للحد من مسؤوليته أو تجاوزها نهائيا، أي"بنسيان" تعاليه.

نسجل، عند هذه النقطة من العرض، بعض الملاحظات: فبالقياس إلى ما تقدم، لدينا إحساس بأننا كنا واضحين بما فيه الكفاية كي يدرك ما هو أساسي في نظرية سارتر عن الاعتقاد الزائف من طرف قارئ منتبه ولديه تكوين يسير في الفلسفة، مع وعينا بأن هناك أشياء كثيرة يمكن بسطها. لكن كيف سيكون الأمر ،بالضبط، بالنسبة لقسم نهائيclasse de terminale يكتشف الفلسفة وسارتر في الوقت ذاته. فالنتيجة لمن اعتاد تدريس الفلسفة في الثانوي لا تقبل الشك: هناك حظوظ كثيرة لكي يضطرب التلاميذ، مع أن الاضطراب وصف ضعيف. في هذه الشروط يكون اللجوء إلى المثال ضروريا لأننا سنجازف، في حالة العكس، بفقدان كل المستمعين. نفسه سارتر شعر بالأمر، لأنه في هذه اللحظة بالذات سينزع الجسد على مفهومه باللجوء إلى سلسلة من الأمثلة أولها مثال"الشابة الحسناء":

"هذه، على سبيل المثال، امرأة استسلمت عند أول لقاء. هي تعلم جيدا النوايا التي يغذيها نحوها الرجل الذي يتكلم معها. وتعلم أن عليها، عاجلا أم آجلا، أن تأخذ قرارا. غير أنها لا تريد أن تشعر بالعجلة: وستحرص فقط على ما سيمنحه موقف رفيقها من أشياء محترمة[...].

لكن هاهي ذي يدها تمسك. هذا الفعل من لدن مخاطبها قد يغير من الموقف بالدعوة إلى قرار سريع:فترك هذه اليد يعني انقياد الذات إلى نزوة عابرة، إنه الانخراط. نزعها يعني قطع هذا الود المزعج و العابر الذي يجعل الساعة حلوة. يتعلق الأمر بتأخير لحظة القرار لأطول فترة ممكنة. نعرف ما سيحدث، حينئذ: تترك المرأة الشابة يدها دون أن تدري أنها تتركها. لا تدرك ذلك لأنها توجد الآن tout esprit. تقتاد مخاطبها حتى الحدود القصوى للتأمل العاطفي، تتحدث عن الحياة، عن حياتها، حيث تتواجد في بعدها الأساسي: شخصا، وعيا. وفي هذا الوقت، يكتمل الطلاق بين الجسد والروح، اليد مرتاحة بين يدي رفيقها الساخنتين: غير مستسلمة ولا مقاومة: كشيء."6

ما الذي يدعو هذا المثال إلى التفكير فيه ؟ يوجد شيء أكيد، في جميع الحالات: هناك ربح مهم فيما يخص تحليل الاعتقاد الزائف كما تبيناه نظريا. إذ تكتسب النظرية، بانخراطها داخل المثال، حضورا لا يمكنها أن تناله بمفردها. من وجهة النظر هذه، تتكلم إلينا النظرية، بتجسدها.

نؤكد منذ الآن، بأن هذا المثال لم يختر صدفة. أول فضل له هو أنه يعنينا لكونه يتموقع على صعيد وجودي. فكل واحد تمكن من معايشة أو عني في كل الحالات، بلعبة الإغراء التي يلمح إليها سارتر. إن فن المثال يمر أولا بتمثيلية الموقف المختار. من هذه الوجهة، تشكل الحياة اليومية خزانا هائلا للأمثلة "الناطقة". لأن الأمثلة النادرة أو قليلة الدلالة لها كامل الحظوظ لألا تفيد شيئا. وكذلك الأمثلة المغرقة في الذاتية لأنها، إذ تحيل على الأفراد الذاتيين و لا تعني الغالبية، ليست مناسبة تماما. أما عندما يتعلق الأمر بنادل مقهى يمر عبر موائد حانة بكل خفة، فإن الأمر يهمنا مباشرة.

هذا المتطلب الأول ليس الوحيد بالطبع. إذ يجب "الاشتغال" فيما بعد على المثال بكيفية يتواجد فيها المفهوم وتحليله النظري داخله. هكذا وبالعودة إلى"الفتاة الجميلة"، فقد عني سارتر، بالطبع، بتتبع المثال بحسب نظريته عن"الاعتقاد الزائف".

قد يبدو الموقف عاديا، عند الوهلة الأولى. لكن ما إن نتمعن فيه، نجد أن لاشيء ترك للصدفة. نعم هنا، في البداية، امرأة شابة يتبعها رجل. و مع ذلك، تتبدى ازدواجية في الوعي منذ هذه اللحظة. تريد أن تغري، هذا صحيح، ولكي تصل إلى أهدافها، عليها أن تبدو لرفيقها كامرأة مطلوبة: الوقفة، الحركات، النظرات، و كل جسمها مطلوب. غير أنه في الوقت ذاته، تدفع الرغبة كرغبة، وجسمها تضعه بين قوسين ورغبة الآخر فيها تحول إلى اهتمام، إلى "احترام". تِؤخذ العبارات ذات المعنى المزدوج، الكثيرة في أمثال هذه الحالات، دائما في معناها الأول. مثل" أقدرك كثيرا"( مثال داخل المثال، لنسجل ذلك)." فالخلفية الجنسية" لهذه العبارة تعزل، وهي تعلم جيدا ماذا يعني ذلك، من منظور مستقبل قريب. غير أن الوقت ذاته يختزل، كما يشير سارتر، في" حاضر صارم" المرأة الشابة ترغب ولكنها لا تريد في الوقت نفسه أن يرغب فيها. في جميع الحالات لا تريد رغبة"ناضجة وعارية" ستلفيها غير محتملة.

لذلك تشيء موقف ر فيقها المحترم، تجمد اللحظة و تعتبر بأن الاحترام ميزة تنتمي إلى الموضوع-الإنسانl’objet-homme الذي أمامها، مثلما أن المائدة دائرية أو مربعة. إن الإشباع الذي تحصل عليه يستدعي في الواقع مكونين متناقضين: الاحترام الذي هو اعتراف بشخصها أي ما يترتب عن حريتها، لكن، في الوقت ذاته، يجب على الرغبة التي عليها ألا تعبر عن نفسها أن تخترق هذه الحرية لتمسك بالتصنع الجسدي.

ينتج عن هذا" الطلاق بين الجسد والروح"، يدها في يد الرفيق،"منسية" تماما، وكأنها ليست منها، و تعاليها، في الآن نفسه، متقد ومقدر.

في الوقت نفسه يكون تعالي رفيقها منزوع السلاح وقد اختزل إلى مجرد شيء. هنا يغدو التعالي اصطناعا ويغدو الاصطناع تعاليا. هكذا هو الاعتقاد الزائف الذي هو، حسب سارتر،" فن تشكيل المفاهيم المتناقضة"، هدفه تغطية الواقع الإنساني في مكوناته الأساسية، وخاصة الحرية، الصعبة التحمل، ولكن أيضا، تصنع الواقع في العالم.

في هذا المثال لاشي يمكن الاستغناء عنه. كل تفاصيل الحالة ذات أهمية، وتحيل بدقة إلى مفهوم"الاعتقاد الزائف" المبين هنا، أي الموضح. أو أن ذهن القارئ أو المتلقي أو التلميذ هو، بدقة أكبر،من تملكه. قلنا بأن هناك ربح مهم بخلاف العرض النظري للمفهوم، بشرط أن يتكلم المثال إلينا بقوة وبالتالي يسمح بترسيخ المفهوم ضمن تجربتنا الأكثر اعتيادية. في هذه اللحظة بالضبط وليس قبل، نستطيع أن نربح التلاميذ إلى جانبنا(ربح آخر)، إذ يربطون علاقة بين حياتهم والفلسفة.

ليس للمقاصد الفلسفية أي مصادر أخرى: ففي لحظة ما، وبينما يشعر التلميذ بحالة اغتراب أمام خطاب أستاذ الفلسفة، تلتقط أذنه الشاردة بعض عبارات تشير إلى بعضها البعض: يتعلق الأمر في الغالب بمثال ينزعه من سلبيته، ويفهمه في الحين بأن هذا كله يعنيه. يمكننا في حالة سارتر أن نذهب بعيدا: فمفهوم الاعتقاد الزائف تحمله هذه الأمثلة، إلى حد يصعب معه الإحالة إليه بدون الرجوع إليها. وحيث أن المفهوم والمثال يتقاطعان بشكل جيد فإنهما يغدوان تبادليين. فكلما تحدثنا عن" النادل" أو" الجميلة" أو"اللواطي"، نحال إلى مفهوم "الاعتقاد الزائف" عند سارتر. ومع ذلك فإن شهرة هذه الأمثلة فيها مجازفة، تلك المجازفة الملازمة لكل تبسيط.

من الواضح جدا، أن هذه الأمثلة يجب أن تدرس في "الوضعية"أي في داخل سياقها، الذي يمكن من استبانة كل المشروع الفلسفي لسارتر. لكن، مع الأسف، كثيرة هي الخطابات الاختزالية التي تنفرد بهذه الأمثلة دون أن تفهمها بل تبتر معانيها. في الأخير نشير بأننا قمنا بدراسة هذا النص لسارتر(فصل حول الاعتقاد الزائف، ص 82 إلى 107 من كتاب الوجود والعدمl’être et le Néant ) في القسم النهائي أ, في السنة الدراسية87-88، في إطار الفلسفة الشفوية. وكانت النتيجة إيجابية بفضل الدراسة المتأنية للأمثلة التي سمحت، بالتالي، بتوضيح الخطوط العريضة لنظرية سارتر حول الوعي.

النموذج عند أفلاطونLe paradigme chez Platon

يتصل استعمال النموذج في محاورات أفلاطون بإجراء جدلي. "النموذج تمرين. هذا هو الدرس الأول والأكثر وضوحا الذي تقدمه لنا النصوص السابقة(السياسة، 277د-279ب). بل إن الغريب يلح عليه:" تمرين قبلي". على النموذج، لأنه يسبق البحث المتعلق بأحد "الموضوعات الكبرى"، أن يعود التلميذ و يمرنه على الطريقة التي يجب تطبيقها في دراسة هذه الموضوعات."7

يتعلق الأمر، في جميع الحالات، بجلب المتعدد إلى الوحدة و الوصول إلى "النظرة الكلية" التي يمنحها التعريف.و يتعلق الأمر، كذلك، بتحديد الطريق الذي يِؤدي إليه. في هذه الحالة الأخيرة يكشف المثال عن أهميته. علينا أولا أن نتمرن على "موضوع صغير" يمكن استيعابه بسهولة من طرف المتعلم قبل أن نطبق نفس الطريقة على "موضوع كبير"، أكثر تعقيدا بالضرورة. وهكذا نجد في الجمهورية التالي" يقوم سقراط، لدفع تراسيماك، الخصم اللدود للعدالة، للاعتراف بأن العادل خير وحكيم، أولا، ببرهانه على الموسيقي. تراسيماك ليس موسيقيا. يتحدث عن الموسيقى بدون حب. فالأدلة التي لديه ضد العدالة تعوزه ضد الموسيقى. لذلك يتفق عن إرادة على أن الموسيقي الجيد إنسان حكيم. وحيث أنه يحصل، من جهة أخرى، أن يظهر العادل نواحي تشابه مع الموسيقي، يجب أن نقبل بالضرورة، بأن العادل رجل حكيم هو أيضا".8

يفيد اختيار"موضوع ثانوي" في تهدئة النقاش بحيث يقود المخاطب إلى استعمال عقله بحرية وبالتالي محاربة التجاوزات المنطقية الحتمية التي تحبسه فيها أحكامه المسبقة. هكذا سوف يكتسب ذهنه طريقة في الاستدلال الصحيح، الذي غايته جلب الوحدة إلى الشتات، و الذي يمكنه تطبيقه على موضوعات أساسية كالعدالة والفضيلة أو الجمال كذلك. يقوم "التشابه" بين الموضوع الثانوي و الموضوع الرئيسي في إبراز وجه شبه بينهما. هكذا الأمر في الحكمة، المشتركة بين الموسيقي والعادل. بيد أننا نسجل بأن " النموذج يفيد في إبراز وجه الشبه ولا يفيد إلا في ذلك". بعبارة أخرى، عندما ننتقل إلى مناقشة الموضوع الجدي،"الموضوع الكبير" لا نهتم، عندئذ،بالموضوع الثانوي.

ماهي العلاقة الموجودة بين النموذج والمثال كما حددناه سلفا؟ أولا، نسجل بأن الفكرة العامة هي التي تتحكم في كلتا الحالتين. النموذج يسمح برفع المثال إلى الفكرة العامة لكي يجليها. في الواقع، ليس النموذج إلا صيغة معينة في استعمال المثال، أي الحالة الخاصة. يمكن النموذج عند أفلاطون من بناء الاستدلال بواسطة القياس، الذي يؤدي إلى الانتقال من الأقل أهمية إلى الأكثر أهمية ومن الخاص إلى العام. يعطي هذا المسار فائدة عظيمة على الصعيد البيداغوجي، بالنظر إلى أن نقطة الانطلاق في استدلال معين توجد دائما في منطقة مألوفة للتلميذ أو المتعلم، وتترقى بدرجات نحو التجريد.نلاحظ أن قدرة التفكير عند التلميذ تنشط بذلك، وعلى شاكلة عبد مينونMénon، يمكنه أن يلج إلى وقائع جد معقدة، وبالتالي، يمكننا القول بأنه لا يوجد اختلاف في الطبيعة بين النموذج والمثال، ولا حتى في الدرجة، مادام أن النموذج هو إستراتيجية للمثال، تحترم جيدا صفته الفلسفية. ببساطة، وبخلاف سارتر، الذي يستعمل المثال ليمنح جسدا لنظريته، ينطلق النموذج من المثال ليكشف عن الفكرة. يحتوي المثال، في هذه الحالة، على شيء من الفكرة، حتى وإن تعلق الأمر بتزاوج غير تام. في نفس الوقت، يتشابه المثال مع إجراء برهاني استقراءي، لأنه يسمح بالانتقال من الخاص إلى العام أو إلى التعريف الكلي. إن إستراتيجية المشابهة الخاصة بالنموذج، لها، دلالة بلاغية،أيضا، لأنها تسمح للاقتناع بالتولد. وهكذا، و عقب مراحل متتالية، انطلاقا من نموذج"الصيد بالصنارة" كنوع خاص من القنص، سينتقل الغريبL’Etranger إلى تعريف السفسطائي، في محاورة بنفس الاسم، عبر قيادة تيتيت Théétète إلى القبول بأن كلا من السفسطائي والقناص قناصون:

"الغريب: باسم الآلهة، هل أنكرنا بأن هذا الإنسان قريب من الآخر؟

تيتيت: من القريب من من؟

صياد الصنارة يشبه السفسطائي.

-كيف؟

-قناصان هكذا أراهم.

-ماذا يقنص هذا الأخير، لأننا قلنا ما يقنصه الآخر؟"9

من الصنارة، سيقود الغريب تيتيت إلى الاعتراف بأن السفسطائي قناص للشباب الأغنياء. هذه ليست إلا مرحلة، طبعا، و سوف يغتني التعريف تدريجيا. سنكتشف، بذات الإجراء دائما، بأنه مفاوض ومحارب و مطهر. غير أن المرحلة الرئيسة هي اللحظة التي سنكتشف فيها صنف السفسطائي الحقيقي:" إنه مقلد"، لأن" الإنسان الذي يزعم بأنه يعرف كل شيء ويمكنه أن يعلم كل شيء للغير مقابل مال قليل في زمن قصير، ألا يجب الظن بوجود لعب هنا؟. والحال أن الصيغة الأكثر متعة في اللعب، هي المحاكاة." 10

يجب أن نسجل في الأخير أن" النموذج مرتبط بشكل وثيق بالجدل، إلى حد الاختلاط به".11 فالمجادل يعرف" بأن الإعداد القبلي يكلف "عملا غير محدود"، وأن الصعود إلى المبدأ الأعلى متعلق بالقوى الإنسانية و"يتطلب جهدا مستمرا. وهكذا، فإن دراسة لموضوعات الكبرى ذاتها ليست هدفا في حد ذاته. فنحن نطرح قضايا حول الفضيلة، السياسة، الكون، بشكل مشابه دوما للأطفال الذين ينهمكون في تفسير هذه الكلمة الصعبة أو تلك، و حتى إذا ما نجحوا فإنهم لا يعرفون القراءة بما فيه الكفاية. ففي أعين المجادل، الذي تتحمل حياته كلها رهان خدمة الخير، ليست جميع "المحاورات" إلا مجموعة تمارين، مجموعة نماذج."12

من الواضح جدا، إذن أن منتهى البحث الجدلي يتحدد بحسب تطوره، وأن تأمل الأفكار ليس من هذه الحياة. ومع ذلك، فإن الجهد الفلسفي، مهما كان ناقصا، وحتى إذا ما حكم عليه بالبقاء في البداية الدائمة للنموذج، هو أفضل حياة ممكنة بالنظر إلى أنه ينزع القيمة على ما هو أفضل في الإنسان.

من هذه الوجهة، تعتبر دراسة المحاورات الأفلاطونية مع تلاميذ القسم النهائي ضرورية دائما. فهي تمكن في العمق من فهم سبب كون التفكير في الفلسفة هو المهم دائما أكثر من الأجوبة التي يمكن أن توخيها للأسئلة التي نتطارحها. إذن لن يتفاجأ أحد مطلقا بأن أغلب المحاورات الأفلاطونية هي محاورات" سجالية"aporétiques..

3- توظيف المثال في إطار الدرس الفلسفي.

أ- درس الأستاذ

ما قلناه حول استعمال الفلاسفة الكبار للمثال، ينطبق على درس الفلسفة. فليس المثال مجرد ضيف يرحب به ،و إنما يجب أن يشكل دعامته. يتعلق الأمر في الواقع، دائما، بتفضيل هذه العلاقة الجدلية بين المفهوم والمثال التي يوضح فيها كل منهما الآخر. فإذا كان الضوء يصدر في البداية من المثال، فإنه قد يحصل كذلك أن نظرية تم فهمها جيدا تمكن، رجعيا، من تعميق المثال، وأن تقدر فيه جميع النتائج، وبذلك العودة إلى الفكرة الرئيسة بمعرفة أكثر دقة و أكثر جودة بالقضية. من هذه الزاوية، يبدو أن المثال يتطلب إعدادا خاصا.

يجب أن ينصرف جهد إعداد الدرس، أولا، إلى اختيار الأمثلة. وانطلاقا من هنا، سواء استعدنا الأمثلة الشهيرة المقتطفة من الأعمال الفلسفية أو أنشأناها نحن لإبراز هذه النظرية أو تلك، فالمتطلبات، في جميع الحالات، تكون هي نفسها: البساطة، التمثيلية والشيوع popularité." فالشيوع كما يراه كانط، هو الوسط المعتدل بين طرفين:بين السذاجة من جهة، ( ويدعوهاmondanité ( والغلو،قرينها المقابل pédantisme. فالغلو وهو الانحراف المدرسي scolastique عن الوضوح الخطابي، أي ذلك الناتج عن المفاهيم، والذي يترجم، من بين ترجمات أخرى، عبر الاهتمام المفرط بالصيغ( التظاهر بالصرامة)( (affectation de solidité

من هذه الطريق الأولى أراد ألان التحفظ مؤكدا، في بداية العمل، على ضرورة عدم الرجوع إلى القاموس التقني للفلاسفة، مادام أنه، من غير المنطقي، القول أنما يهم أحدا ما لا يمكن أن يقال في لغة الآخر. أما الشيوع فهو انحراف ساذج لمطلب الوضوح الحدسي و الذي يترجم، بالطبع، بتوجه خاطئ نحو الأمثلة، التي يقع خلطها مع الشروح البسيطة."13 إن ما تعطاه القيمة هنا والذي يميز الكيفية التي علينا أن نفهم تدريس الفلسفة بها، هو طبيعة المسار التربوي نفسه: فلا يتعلق الأمر بتدريس أفكار عامة، وهي الطريقة الأفضل لتحويل التلاميذ إلى ببغاوات، في أفضل الحالات، وإلى أشباح في أسوأها. لا يتعلق الأمر أيضا بتفضيل مبالغ فيه للتجربة، بتعديد الأمثلة من كل الأنواع، حتى تلك التي يقدر التلاميذ على اقتراحها. لأن هذا الأمر من شأنه أن يفقد المعنى و أن يعترف بالفكرة التي ترى في الدرس الفلسفي مجرد مواجهة بين الآراء المختلفة. لذلك فإن الشعبية تتحدد في بناء مسار يسمح لعقل"مشترك لكنه سليم"، أن يصوغ بكامل الوضوح ما يدركه، بعد، كمعطى ملتبس. للفلسفة، كما قلناه سلفا، دور زيادة فهمنا للعالم وللظواهر المعقدة التي تكونه،بداية. فما على أستاذ الفلسفة أن يقوله يجب أن يقوله في لغة واضحة ومفهومة، صارمة في مسارها لكي يتجنب الوقوع في البساطة الساذجة، ويتجنب بذلك الاستعمال المفرط للمعجم التقني. من وجهة النظر هذه، يبدو الرجوع المحكم إلى المثال مرة أخرى، بالنسبة لنا، أمرا رئيسيا.

إذا كانت مصادر المثال موجودة، بشكل مسبق، في الحياة اليومية، بشكل يستطيع كل منا التعرف عليها،يمكن كذلك استدعاء الأمثلة الأدبية. في هذه الحالة الأخيرة، تمكن العودة إلى الخيال في الغالب من تأكيد، وربما تفخيم بعض التصورات لتصبح أكثر بروزا، وبذلك نشر فكرة أو تصور نظري بصورة تامة. فهكذا اشتغلنا، خلال درس خاص بمشكلة الخلود، على أطروحة يدافع عنهاFerdinand Alquié في كتابه، الرغبة في الخلود.

تتميز بعض المسيرات البشرية برفض وجداني للزمن. هكذا الأمر في العاطفة والعادة. يبين ألكيي، فيما يخص العاطفة، بأن رفض الزمن، في هذه الحالة، يجد مصدره في الماضي. ولكي يدعم هذه الفكرة استند إلى نص لGérard Nerval بعنوان sylvie، يبرز الروابط التي تجمع الحب بالماضي.

يحب نيرفال، في هذه الرواية، ممثلة تدعى أوريلي. عندما كانت خارجة من عمل فني حيث كان ذاهبا لرؤيتها دخل إلى تجمع. وهو يتصفح جريدة، وجد فيها مقالا: "عيد ورد المدينة"، أوقد فيه ذكرى مدينته. هذه الذكرى أقلقته الليل كله. فلقد رأى نفسه في حفلة ببلدته مع صديقته سيلفي. غير أنه في ذلك النهار ستأتي أدريان، البنت الصغرى لأحد ملاكي الحصون. مثل الممثلة، كانت سيلفي تغني و أمام الجمهور. مثل الممثلة، كانت بعيدة، جميلة، متعنتة، تضيئها أشعة القمر مثل أضواء المسرح. استرجع جيرارد دو نيرفال هذه الصور:

" وهي تغني، يتحدر الظل من الأشجار الكبيرة، و نور القمر المتولد يسقط عليها لوحدها، منعزلا عن دائرتنا المنتبهة". كانت هذه الذكرى كافية لتوضح حبه للمغنية:" كان كل شيء واضحا لي بهذه الذكرى الصغيرة. هذا الحب الواسع وبدون أمل لامرأة المسرح هذه، التي تأخذني كل مساء إلى ساعة الحفل، لألا تفارقني إلا وقت النوم، يجد نواته داخل ذكرى أدريان، وردة الليل المضيء على ضوء القمر الخفيف، شبح وردي وضاء ينزلق على العشب الأخضر المبلل ببخار أبيض."14

إن التصور الذي يتبدى ههنا فريد من نوعه. وهو يكتشف الحقيقة، و قد يضيع بذلك حبه لأوريلي، سيحاول، لإنقاذه، أن يوحد بين الشخصيتين، ويقتنع بأن أدريان و الممثلة ليسا إلا شخصا واحدا. غير أن المحاولة ستفشل و سيضطر نيرفال إلى الاعتراف بأنه لا يحب في أوريلي إلا ماضيه هو.

يمكننا أن نعارض بالطبع أطروحة ألكيي و نبين بأنه من الاختزال التأكيد بأن كل حب وبالتالي كل عاطفة، لها مصدر في الماضي. لكن في الاقتصاد العام لهذه الأطروحة، تمكن الإحالة إلى نص أدبي، حتى فيما وراء طابعه الذاتي، من منحها قوة وحضورا لم يكن لتحصل عليه بلا شك بمثال متفق عليه. فكما يناصر ذلك ألكيي فإن نص نيرفال له حسنة تحديد"طبيعة الخطأ العاطفي".

في هذا الطور من دراستنا، من المناسب أن نفحص عن قرب العلاقات التي تجمع بين الأدب والفلسفة. فإذا كانت بعض الروايات تحمل رسالة فلسفية، كما هو حال رواية الدوار Nausée لسارتر، فإن نقطة البداية وتطور الحكاية نفسه، يتميزان بخصوصية أدبية واضحة بالنظر إلى أنهما يصفان تجربة معيشة. لكن هذه التجربة، وهنا كل الفائدة في هذا النوع من الروايات، تقدم نفسها كنموذج للواقع الإنساني في عمومه. إن هذه الدلالة الكونية هي التي تمنحهم أهمية فلسفية. "هنا يوجد ما يفصل أدبا فلسفيا عن الأدب الروائي أو المسرحي المحض، الذي لا يمثل مطلقا إلا أفرادا منخرطين في وضعيات أو أنشطة مفردة أو خاصة بهم. بالتأكيد فإن أبطال نشاط ما هم بدون أهمية إذا لم تكن لأفعالهم صلاحية عامة. هم إذن ممثلون représentatifs ولكن فقط لجانب أو لحظة من الواقع الإنساني"15. مع ذلك يمكن أن نتساءل" هل الوصف الذي يظهر تجربة جد فردانية كتجربة كونية(مثلا تجربة Roquentin في رواية الدوار ل Sartre) ليس في الحقيقة إلا وصفا مغشوشا؟"16.

صحيح، في نهاية المطاف، أنه يمكننا القول بأن كل تجربة هي تجربة فردانية و أن" الإنسان الكوني هو تجريد فارغ.". إذا كانت الأمثلة السارترية، وكما أشرنا سلفا، في الوجود والعدم، تسمح للمفهوم أن ينكشف بكل قوته، فإنه يمكننا أن نشك، بالفعل، في المسار الذي يقوم على كتابة رواية كاملة لإبراز أطروحة فلسفية. هذا المسار جد ملزم سواء بالنسبة للرواية نفسها لأنه يفقدها عفويتها الإبداعية، أو بالنسبة للفكر الفلسفي الذي يفقد الكوني في الخاص. علاوة على ذلك، يجب أن نتفق على أن الدوار رواية عظيمة(استثناء يؤكد القاعدة)، غير أن هذه العظمة لا تدين بها لتطلعاتها "الفلسفية".

يشير كورينا Michel Gourinat إلى" أن الأفكار التي تكون مصدر الإبداع الأدبي لا تعبر إلا عن نوايا، تتجاوز على العموم بغنى الإبداع. ففي نهاية رواية" البحث عن الزمن المفقود" Recherche du Temps perdu الهائلة، يعلن بروست Proust ، في الزمن الملقي" Temps retrouvé ، عن فلسفته الخاصة عن العلاقات بين العمل الفني والزمن: التي لكونها استخرجت ببطء من العمل المبدع ذاته، كانت مختلفة عن الأحكام الفلسفية المسبقة لبروست. فالتعبير عن فكرة مجردة بصورة سابقة عن العمل الإبداعي، يغفل، إذن، عن حقيقة إسهام هذا العمل في الفكر، ويقلب الصلة الحقيقية بين الفن والفلسفة. لا يقوم الفن على منح أمثلة محسوسة لحقائق عامة. بل ينطلق من الواقع الملموس، لكي يستنتج منه، بعملية إنتاج حقيقية، أفكارا وحقائق جديدة.إذ في هذا يوجد شيء من الفلسفة."17

هذه النقطة الأخيرة أساسية جدا و تمكن، بطريقة ما، من توضيح المسار الذي يعتمد على استعمال مثال أدبي في محاولة أو درس فلسفي. فمن خلال طريقين، سواء نوظف مقطعا في رواية يهم مباشرة التفكير الفلسفي( مثال تأملات بروست حول الزمن في آخر رواية البحث..) أو نحيل إلى نص أدبي، يسمح، بحسب نوعية وغنى التجربة المعيشة التي ينقلها، بإعطاء محتوى قوي لأطروحة فلسفية. كما هو الحال في استعمال ألكيي لمقطع من رواية جيرارد دو نيرفال.

حيث أن الأدب متجدر في الحياة، في الواقع الملموس، ويستطيع بواسطة حركة كتابة مبدعة يجلي منها كل فردانيتها، فإنه، لذلك، خزان للأمثلة الناطقة. لذلك فلاستبانة الصلات بين الإدراك والخيال والحلم، ليس هناك، بلا ريب، مثال أفضل من مقطع"المصباح السحري" « La lanterne magique » في بداية البحث عن الزمن المفقود. بالطبع، كل هذه المرجعيات ذاتية و تشهد بالتأكيد على الكيفية التي يرى بها كاتب العالم، أكثر من شهادتها على كونية الواقع الإنساني. و مع ذلك، فكل واحدة من هذه التجارب المفردة تقول لنا شيئا عن الإنسان، أي عنا، و تسمح بمعاودة إطلاق بحث مفتوح باستمرار. فإذا كانت الفلسفة والأدب مختلفان، يمكننا القول، من هذه الناحية، أنهما متكاملان.

من الممكن أيضا، في حدود معينة، توظيف بعض الصفحات الروائية تتميز بكونها أعمال خيال صرفة، وحتى ذات الطابع الأسطوري، لإبراز مفهوم معين. غير أن العملية تكون هنا أكثر صعوبة من الحالة السابقة لأن الأمر يتعلق بأكثر من الاستيعاب، و نتيجة لذلك يتعسف على المعنى قليلا.وهو مسار يحيل على التأويل أكثر من الإيضاح المباشر. هكذا، لكي يفهم التلاميذ معنى العادة l’habitude، اعتقدنا أن من الجيد توظيف مقطع من رواية لRaymond Roussel عنوانها Locus Solus. فلقد أردنا أن نبين بأن العادة تتميز بإفقار للواقع و بنفي للمستجد وللاختلاف. هكذا، فإن العادة، عند مواجهة مواقف جديدة، تمظهر نفس السلوك. فهي تتحفز في ذلك، أكيد، بقلق أمام المآل و شكوكه. وبالتالي يقع تخليد الماضي لكي تأخذ الحياة طابعا مطمئنا: فما هو قائم سيظل إلى الأبد. حسب ألكيي، فإن العادة مثل العاطفة تجبرنا على عدم الفعل والعجز.

تصف رواية روسل Roussel نزهة طويلة، يمكنها أن تؤشر على مسار طقوسي، يقترح فيه، العالم الكبير مارسيال كانتريل Martial Canterel ، في كل مرحلة من المراحل السبعة، على أصدقائه المعجبين عجيبة من عجائب الدنيا السبع التي عرفها و أبدعها وحافظ عليها في حديقة Locus Solus . فالآلات الرائعة التي أبدعها العالم، و التي تؤدي عمليات معقدة و متقاطعة بإتقان، أنشأت جميعها على نمط الحركة المستمرة. ولعل الحلقة الأروع في الزيارة هي بدو ن جدال هي زيارة الخزانة حيث يبدي الموتى، بفضل سائل يسمى« la résurrectine , مظاهر الحياة، لكي يكرروا على الدوام المشهد الرئيسي في حياتهم الماضية. يظهر لنا أن هذا المقطع يمثل العادة في كاريكاتوريتها. فهو يشهد، فيما نتصور، على خوف شبه عصابي من الشيخوخة والموت والمجهول. إن الحركة المستمرة لهذه الحياة المصطنعة، المهيأة بشكل مصطنع، التي تجري ميكانيكيا، ليست شيئا آخر غير استعارة لما يمكن أن يكون عليه وجود منغلق في الخيال، منطو على ذاته، عقيم و فارغ. هنا، لا انحراف ممكن، لا مفاجأة تطرأ لتزعج نظاما تابتا. كل شيء يتشابه على الدوام، إلى الأبد. يساق الماضي إلى اللانهائي، منهجيا ونمطيا.

لن يفاجأ من يعرف حياة روسل، إلا قليلا. فنحن نعلم بالفعل بأن حياته كانت حياة وحدة وانعزال، وكأنها أمر مقدر. يفسر اشمئزازه و لا مبالاته من الواقع كخواف من الدنس و الإهمال أكثر من تفسيره بالعادة، المرتبطة ذاتها بحنينه للطفولة وفزعه من الشيخوخة. نتذكر كذلك الحلقة التي يتحدث عنها في كيف كتبت بعضا من كتبي Comment j'ai écrit certains de mes livres، حيث س نكتشف بأنه قام برحلة حول العالم في قارب، دون أن يخرج من مقصورته مطلقا، انغلاق مفروض. أما هو، فقد وجد، مع ذلك ملجأ في الأدب، رغم أن أعماله لم تصادف نجاحا، عندما نشرها، وهو حي، على حسابه الخاص.

على الرغم من أن الذي يهم، في التصور الذي يشغلنا، هو أن يستطيع التلاميذ انطلاقا من هذا النص(يحب أن تسير القراءة من الأستاذ) إنهاء فهم المفهوم، المدمج هو نفسه داخل أطروحة أكبر. من المؤكد أن نصا كهذا لا يمكن إلا أن يثير انتباه التلاميذ، وبالتالي إعادة موقعتهم في المنظور العام للدرس. سوف نستغل هذا الأمر لنثير مباشرة بعد مشكلة عويصة.

الإنشاء الفلسفي La dissertation

ليس هدفنا في هذا الجزء هو أن نقترح منهجية للإنشاء الفلسفي، و إنما نقصد فقط الإشارة إلى بعض النصائح الممكن إعطاؤها للتلاميذ فيما يخص توظيفهم للأمثلة في أعمالهم الكتابية.

فما هي المكانة التي يحب أن يشغلها المثال داخل إنشاء فلسفي؟

تمر الإجابة، بداية، بتوضيح الأخطاء التي يجب عدم الوقوع فيها في هذا المجال، مما سيمكن فيما بعد من تعيين الصفة الفلسفية للمثال. يكمن الخطأ الشائع في الخلط بين المثال و الحجاج argumentation. ذلك أن تقارير حكام الامتحانات( يمكن أن نقول نفس الشيء عن الباكالوريا)، تؤكد خصوصا على هذه النقطة:

" كثير من الواجبات تخلط بين الحجاج و الإيضاح: فمثال ما أو استشهاد أو تمثل، مهما كان ضروريا ولازما، تبقى عناصر غير فعالة إذا ما اكتفت بتوضيح طرح ما و تغدو مزعجة إذا كانت غايتها الإطناب و الكثرة العددية فقط. يجب أن نذكر هنا بأن الإنشاء يشكل تمرينا بلاغيا في الحجاج والبرهان، و بهذا المعنى يجب على الأمثلة أن تتميز بطابع إجرائي في العرض والبرهنة، وحتى في تحويل أطروحة أو فكرة. فالإيضاح لا يكفي إذن، ما لم يكن موضوع اشتغال حقيقي للفكر أو لم يندرج ضمن دينامية الاستدلال."18

هذه الملاحظة واضحة و تحيل إلى كل ما أشرنا إليه سلفا حول المثال، أي أنه لا يؤكد شيئا، لوحده، و أن عملا مفاهيميا مسبقا ضروري قبل الرجوع إلى حالة خاصة. لذلك يجب تجنب تعداد الأمثلة أو بناء، وهو أمر أكثر سوءا، مختلف أجزاء الإنشاء بالاستناد إلى الأمثلة فقط، و كأنها بمفردها تملك قوة برهانيه. "في الحالة الأولى، تحذف كثرة الأمثلة التحليل الفلسفي الحقيقي، أي التحليل المفاهيمي و الصارم. و في الثانية، يبقي الاهتمام المعطى للواقعة المفردة الفكر في الاستثنائي و ربما في العرضي. إن الطريقة الصحيحة تكمن في تحليل المثال، أو عدد جد محدود من الأمثلة لتقوية الحجاج."19

خطأ آخر مخالف للأول، يقوم في الإغفال الكلي للأمثلة. فبعض الواجبات( بجب أن نشير إلى أنها أقل من السابقة)، تصل إلى درجة من التجريد يصبح معها الطرح غير مفهوم. والمسألة مع ذلك ببساطة مسألة اختيار الاتجاه الصحيح، أكثر من إبراز التحليل بالرجوع إلى إحالات واقعية ، عندما يتعلق الأمر، مثلا، بموضوع حول قضية في العدالة أو الحق،. نشير في الأخير بأن الاستعمال الجيد للأمثلة في الكتابة الإنشائية، يرتبط مباشرة بالفهم الكلي لطبيعة هذا التمرين نفسه و فيما وراء المتطلبات الخاصة بأي تفكير فلسفي. إن هذه الرؤية الواسعة للفلسفة هي التي على الأستاذ أن يكونها عند تلامذته و بالتالي استغلال كل الفرص للتذكير بمقتضيات عمل الفكر. بهذا الثمن فقط، يصبح التقدم في مجال الإنشاء، وفي فن المثال، ذا دلالة.

خاتمة

في منتهى هذه الدراسة، من المناسب تسجيل عدد من الملاحظات. أولا، وكما افترضنا سلفا، يبدو أن المثال يمتلك قيمة فلسفية أصلية. من هذه النظرة، فهو غير منفصل عن مسار الفكر نفسه. و بالنسبة لوظيفته البيداغوجية، فهو يأتي كإضافة، ليست هي الوحيدة، بالنظر إلى العلاقة الوطيدة بين الفلسفة والبيداغوجيا. يلعب المثال دورا إعداديا في التكوين الفلسفي، وفي نفس الوقت، يساهم في تشجيع الفكر نفسه. ليست هناك إلا بيداغوجيا خاطئة في الحقيقة، عندما تتم الدعوة إلى مسار يعتمد استعمال المثال فقط، لإيقاظ اهتمام التلاميذ دون الاهتمام به فيما بعد، عندما تنتهي وظيفته.

نسجل، فيما بعد، بأن "المثال هو الذي يمنح الدخول إلى النصوص الفلسفية كي لا تكون مجرد وثائق تاريخية. إن النص الفلسفي بمثابة أصبع يشير إلى النجوم؛ فهل ندعو إلى تعليم من ينظر إلى الأصبع، أو ذلك الذي ينظر إلى الاتجاه الذي يشير إليه الأصبع؟ أو ليس هذا هو المعنى الاشتقاقي للتعليم: الإشارة و التوجيه؟"20

  • Bibliographie

    René CHICHE:
    L'exemple dans le cours de philosophie, in L'enseignement philosophique, n°4-92 p.26 à 41.
    Patrice HENRIOT:
    Article Exemple, in Philo Dicobac 3, questions, Belin.
    Jacqueline RUSS:
    Les méthodes en philosophie. P.122 à 124. Armand Colin.
    Jean-Paul SARTRE:
    L'Etre et le Néant., Première partie, chapitre 2, La mauvaise foi, 2. Les conduites de mauv»20

    Bibliographie
    Haut page

    René CHICHE:
    L'exemple dans le cours de philosophie, in L'enseignement philosophique, n°4-92 p.26 à 41.
    aise foi, Tel Gallimard.
    Victor GOLDSCHMIDTT:
    Le paradigme dans la dialectique platonicienne, Presses Universitaires de France, 1947.
    PLATON:
    Hippias Majeur, Politique, Sophiste, Collection de poche G.F. Traduction E. Chambry.
    Ferdinand ALQUIÉ:
    Le désir d'éternité, PUF Quadrige.
    Raymond ROUSSEL:
    Locus Solus, éditions Rencontre, Lausanne.
    Michel GOURINAT:
    De la philosophie. Tome 1. Article Littérature et philosophie, Hachette Université.
    Emmanuel KANT:
    Fondements de la métaphysique des moeurs, Delagrave.
    Article Que signifie s'orienter dans la pensée?, collection de poche G.F.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article